Site icon IMLebanon

مَنعاً للغرق في مياه الخليج أو رماله!

هل كانت «شوكةً وإنقلعت» في اليمن، أم إنّ هناك فصولاً أخرى على الطريق؟

الجميع ينتظر المرحلة التالية بعد «عاصفة الحزم». هل هي التسوية السياسية، أم الهدنة التي تسبق مرحلة عسكرية جديدة؟

وفي عبارة أكثر وضوحاً، هل أعطى السعوديون تعليماتهم لقواهم العسكرية بوقف «العاصفة»، لأنّ ملامح تسوية مع الإيرانيين بدأت ترتسم؟ أم لأنّ الوضع العسكري بدأ يهدّد بإنهيار الضوابط على رؤوس الجميع؟ أم لاعتقاد السعوديين أنّ «العاصفة» كانت كافية لتلقين إيران درساً في اليمن، يُلزِمها الواقعية ويوقظها من أحلام التوسُّع؟

في الملامح الأولى، يجدر الإنتباه إلى أنّ «عاصفة الحزم» لم تتوقف تماماً. فالمواجهة العسكرية مستمرة، وإن تراجعت وتيرتها. وفي الموازاة، لم تظهر دينامية سياسية إيرانية- سعودية توحي بإمكان الدخول في تسوية حول اليمن. وفي الحدّ الأقصى، ربما يتوصل الطرفان إلى هدنة يحتاجان إليها في أسرع ما يمكن، كلٌّ لضروراته الخاصة:

1- الإيرانيون: تبلَّغت طهران رسالة واضحة من خلال «عاصفة الحزم»، ومفادها أنّ أيّ عبثٍ إيراني بإستقرار الخليج ومعادلاته الجيوسياسية لن يكون مجرد نزهة. واستنتج الإيرانيون أنّ السعودية ليست مجرد «ماردٍ من ورق» عندما تتعرّض للتهديد هي وسائر المنظومة الخليجية. فعندما أيقن السعوديون أنّ وضع اليمن بات يهدِّدهم في مصيرهم، إستخدموا كلّ أوراق القوة التي يملكونها في الدفاع عن أنفسهم.

لكنّ الصدمة التي أصابت الإيرانيين لم تدفعهم إلى ردِّ عشوائي أو إنفعالي. ويمكن القول إنّ طهران لم تردّ إطلاقاً على «العاصفة» السعودية، لا عسكرياً ولا سياسياً… إلى أن حرَّكت قطعها البحرية في الخليج، في الأيام الأخيرة.

ولا ترغب إيران حالياً بالتماس المباشر مع السعودية. ولذلك، هي بالتأكيد ستلتقط أيَّ تسوية عابرة مع السعوديين لتحقيق هدفين مرحليَين: رفع الضغط العسكري عن مناصريها في اليمن وتمرير الاتفاق النووي مع الغرب بأقل ما يمكن من المتاعب.

2- السعوديون: بعدما سدَّدت الرياض ضربتها وأظهرت قوتها في مواجهة إيران، وأطفأت منابع الخطر التي كانت تهدِّدها في اليمن، أدركت أنّ الخطوة التالية قد تكون مواجهة مباشرة مع الأسطول الإيراني في الخليج.

وفي معزل عمَّن سيربح ومَن سيخسر في مواجهة من هذا النوع في النهاية، فإنّ المواجهة في ذاتها ستكون مكلفة جداً لأنها ستنقل أرض المعركة من اليمن إلى سائر الخليج، براً وبحراً وجواً. لذلك، أبدى الأميركيون اهتماماً إستثنائياً بتحرُّك القطع البحرية الإيرانية جنوب اليمن.

ومن مصلحة السعوديين أيضاً أن تنتهي المواجهة العسكرية قبل بلوغها هذه السقوف العالية، والتي تهدِّد بإطاحة كلّ الخطوط الحمر. ومن هنا مسارعتهم إلى النزول من «عاصفة الحزم» إلى «إعادة الأمل»، بعد يوم واحد من تكليف الحرس الوطني الإنخراط في «العاصفة»، مع ما يعنيه ذلك من احتمالات لبدء المواجهة البرِّية.

إذاً، في اللحظة المفصلية، أدرك الإيرانيون والسعوديون أنهم على وشك أن يفقدوا قدرتهم على الإمساك بزمام الأمور في الخليج. وتبيَّن لكلا الطرفين أنّ اللحظة لا تناسب أيّاً منهما للدخول في المغامرة المفتوحة.

لذلك، لجأ الطرفان إلى المهادنة ظرفياً. وقد يكتفي السعوديون بما حققوه، أيْ بإبعاد الخطر الحوثي- الإيراني عن حدودهم وحصر مفاعيله في الداخل اليمني. ولكن، مَن يضبط طموحات إيران في الخليج العربي… أو الفارسي، والتي كانت الأساس في تحريك الحوثيين في اليمن وقد تؤدّي إلى تحريكهم وآخرين في دول خليجية أخرى؟

إنها هدنة حسّاسة وحاسمة. فإمّا مشهد التسوية على عِلّاتها، وإما مشهد الغرقى في مياه الخليج… والغرقى في رماله المتحرّكة!