مسائل وقضايا عديدة ملحّة تفرض ذاتها في هذه المرحلة، إضافة الى استحقاقات أساسية تنتظر تشكيل الحكومة، وبعضها، إنْ لم يكن كلّها يحمل طابع العجلة.
وبات اللبنانيون، وأصدقاء لبنان الكثر في الإقليم والعالم العربي في دائرة القلق جراء التأخير في التأليف، ذلك أنّ الايجابيات التي يوردها الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري في تصريحاتهما ومواقفهما المتكررة لا تجد لها أصداءً في التنفيذ.
وثمة أربع نقط يجدر التوقف عندها:
الأولى- يطالب الرئيس ميشال عون بحصة رئيس الجمهورية في الحكومة.
يقول الرئيس وتردد أوساطه إنّ هذه المسألة ليست جديدة، فقد سبق أن جاء الرئيس ميشال سليمان بوزراء له في عهده، وسبقه الرئيس إميل لحود، وقبلهما الرئيس الياس الهراوي، وأنّ هذا الأمر بات عرفاً وهو ما يعوّض رئيس الجمهورية حضوراً وفاعلية افتقدهما بعد اختصار صلاحياته الى حد كبير في دستور “الطائف”، خصوصاً صلاحية التصويت.
الواقع أنّ رؤساء سابقين حصلوا على “حصة” وزارية في حكومات عهودهم وهذا صحيح، ولكن المفارقة، هنا، مزدوجة:
1- إنّ الرؤساء الوارد ذكرهم أعلاه لم يكونوا رؤساء فعليين لأحزاب وكتل نيابية متمثلة في الحكومة، والحال أنّ الرئيس عون لم يكن فقط رئيس حزب وتكتل نيابي كبير، إنما هو أيضاً متمثل بوزراء هذين التكتل والحزب في الحكومة وبعدد غير قليل.
2- إنّ الرئيس ميشال عون هو أوّل من اعترض على “الحصة الرئاسية” في الحكومة في عهد الرئيس السابق العماد ميشال سليمان، وهو أوّل من وصف ذلك بأنه “بدعة” ومرفوضة.
فكيف يوفق سيّد العهد بين هذين الموقفين المتناقضين؟
الثانية- لا شكّ في أنّ موقف تكتل “لبنان القوي” من حصة “القوات اللبنانية” هو موضع التباس في أقل تقدير، واضح أنّ هذا التكتل، بشخص رئيسه الوزير جبران باسيل لا يريد أن يعترف لـ”القوات” بالفوز الكبير الذي حققته في الانتخابات النيابية العامّة، وليس مفيداً القول لـ”القوات” نحن لا نعارض حصتكم ولا نعارض إعطاءكم حقيبة سيادية، ولكن هذه للبحث مع الرئيس المكلّف، فمَن يصدّق هذا الكلام؟ أليْس أكرم للرئيس عون وللوزير باسيل تحقيق طلب “القوات” المحق بوزارة سيادية أو بنيابة رئاسة الحكومة… علماً أنّ الجنرال ما كان ليصل الى الرئاسة لولا الموقف القواتي الكبير في “تفاهم معراب” الشهير!
الثالثة- وأمّا تمسّك الرئيس عون بنيابة رئاسة الحكومة فهو لا غبار عليه من حيث المطالبة المبدئية، أمّا اعتباره عرفاً موجباً فهذا ما ليس دقيقاً… إذ لم يسبق إلاّ نادراً أن كان نائب رئيس الحكومة محسوباً على رئيس الجمهورية… وهذه لا تشكل عرفاً بأي حال.
الرابعة- كان الجميع وما زالوا ينتظرون من رئيس الجمهورية وفريقه مبادلة الرئيس سعد الحريري بالمساعدة الجدية على تشكيل الحكومة، وليس بتطويقه بهذا الكم الكبير من المطالب شبه المستحيلة… خصوصاً وأنّ الرئيس سعد الحريري ضحّى بكل غالٍ ونفيس، وقدّم تنازلات عدة يوم كان فريق 14 آذار يشكل الأكثرية النيابية، مقابل وصول الجنرال الى سدة الرئاسة.
وباختصار، وبالرغم ممّا تقدّم آنفاً، نرى أنه لم يعد جائزاً رمي المسؤولية من طرف على الطرف الآخر، ومن فريق على فريق، ولا حتى رميها على الخارج… فوراء عرقلة التأليف أقليّة محلية هي التي ليست مع الدولة في المطلق وهي التي كانت وراء الفراغ الرئاسي بقدر ما هي اليوم وراء عرقلة تشكيل الحكومة.