IMLebanon

لمواجهة التطهير المذهبي بالصبر والصمود

«احموا سنابلكم من الإعصار بالصدر المسمر هاتوا السياج من الصدور .. فكيف تكسر أقبض على عنق السنابل مثلما عانقت خنجر وقل لي بعدها كيف تقهر!؟« (محمود درويش)

عبثاً تحاول نقاش أحد من أتباع العماد ميشال عون حول موضوع ولاية الفقيه وحول كيف يمكن لمسيحي أن يعيش في ظل هذه الدوغما العقائدية من دون أن يكون ذمياً! لأنه يجيبك بأسطورة أن مرجعية الإمام المرشد المعصوم والجامع للشرائط ما هي إلا مرجعية معنوية ودينية لـ»حزب الله« تشبه مرجعية الحبر الأعظم للكاثوليك في العالم، مع العلم أن الحبر الأعظم ليس لديه حرس ثوري ينشره أينما احتاج ولا مجموعات سرية يوكل إليها تصفية أتباع «اللوثرية» مثلاً، فـ»حزب الله« يشبه دوره دور «فرسان الهيكل» أثناء الحروب الصليبية وأحيانا فرقة «الحشاشين» الشهيرة في الفترة ذاتها؟!.

بعد ذلك يصبح النقاش عبثاً لا طائل منه لأن المحاور العوني سيتهمك مباشرة باستهداف الشيعة لأنك سنّي، أو يستعمل مثل الأصولية السنّية أو الوهابية أو الداعشية لإفحامك بقوله «أي شيء أفضل من هؤلاء«!.

ما لنا ولكل تلك الدوغما العونية التي لا علاج لها؟ ولنعد لنقاش هادئ حول الحقائق المتعلقة بمشروع «حزب الله«، وارتباطه العضوي السياسي والإجتماعي والديني بولاية الفقيه.

معظمنا شاهد تسجيلات حسن نصر الله التي تعود للثمانينات حول كون حكم الولي الفقيه أساس العدل العالمي، وعن واجب المسلمين المطلق في التبعية له. ولكن كل ذلك لا يفيد للإقناع، فحتى المتنورين غير العونيين يقولون أن «حزب الله« وقائده «تطوروا كثيراً في خطابهم!»، وهذا دقيق فالتطور كان في الخطاب فقط، أما المحتوى فما زال كما هو، وإن سترته التقية.

في حوار متلفز مع حسن نصر الله منذ سنوات سئل عن ولاية الفقيه فأجاب بأن ذلك لن يطبق إلا إذا وافق ثمانون بالمئة من الناس، وفي حوار آخر منذ أسابيع مع نعيم قاسم أكد على أن «حكم الإسلام»، وهو حسب رأيه حكم ولاية الفقيه، هو الأفضل للمسيحيين واليهود، يعني باختصار العيش تحت ذمّة الولي الفقيه!

قد يقول البعض إن هذا شيء يستحيل تطبيقه في لبنان بسبب التركيبة الديموغرافية المذهبية والطائفية، وهذا بالضبط ما قلته في نقاش مع أحد أركان «حزب الله« في سجال أمام حضور في طرابلس صيف سنة 2005 ، فقال علنا أن «هذه المقاومة إسلامية الهوية وأنا أتيت إلى طرابلس الإسلامية التي تفهم كلامي، أما الآراء الأخرى فلا وزن لها!». يعني كلامه أن المسلمين سنة وشيعة معنيون بالمقاومة، أما الآخرين فليس لهم وزن أو دور عدا تحمل تبعات الأضرار الجانبية.

ولكن المشروع المقدس للولي الفقية لجمع السنة والشيعة تحت رايته سرعان ما اصطدم بحاجز السياسات المذهبية التي مارستها إيران في كل مكان من وجود الشيعة في بلاد العرب، فأصبح السنة غير التابعين لهذا المشروع هدفا مشروعا وعائقا لا بد من إزاحته بكل الطرق الممكنة.

لننظر إلى الذي حصل في سوريا، وتلك الحملة المحمومة التي سبقت الحرب وترافقت معها لشراء الأراضي والعقارات وتشييع البشر بحيث أصبحت سوريا عملياً تحت ذمّة ولاية الفقيه، اقله قبل دخول روسيا على الساحة. ولننظر إلى مناطق غرب دمشق في الغوطة والقلمون والقصير وعرسال، فنرى بوضوح التطهير المذهبي المتعدد الأشكال بالقتل والتجويع والإرهاب والتيئيس. ولن نذهب إلى العراق ولا إلى اليمن مع أن للموضوع صلة.

ولكن ماذا عن باقي لبنان، من الواضح أن أداة الولي الفقيه وهي «حزب الله«، تمكنت من تطويع جزء مهم من السنّة والمسيحيين، من خلال شعار المقاومة حيناً والترغيب بالسلطة والترهيب بالخراب أحياناً أخرى.

أما معظم الباقين فقد وصلوا إلى حد اليأس من مقاومة مشروع الحزب، والكثيرون منهم يحلمون بفرصة الخروج من لبنان إلى أي مكان، حتى لو تحت غطاء اللجوء السوري وإنكار الهوية اللبنانية، وحتى لو في مراكب الموت عبر البحار. وهذا بالضبط شكل من أشكال التطهير المذهبي قد يؤدي إلى الدفع نحو المواجهة العنيفة التي يعتبر حزب الله أن له اليد الطولى فيها، أو إلى الخضوع والإستسلام.

وأحد أهم بنود التيئيس هو الإهانة والإذلال من خلال إشعار الآخرين بأن لا حول لهم ولا قوة، كما هو حاصل بالملفات الأمنية والقضائية والسياسية وغيرها، ومن وجوهها ملف ميشال سماحة. والأهم هو دفع أعداء امبراطورية ولاية الفقيه إلى فقدان الثقة بقيادتهم السياسية من خلال الإعتقاد بأنها ضعيفة أو متخاذلة أو متآمرة، وفي أفضل الأحوال مخطئة. ويكفي أن نراقب تطور الأحوال على مدى السنوات الماضية لتتأكد من صحة هذا التحليل.

حلم ولاية الفقيه حقيقة ثابتة في وجدان أتباعه، وقد يبذلون كل إمكاناتهم المشروعة وغير المشروعة لتحقيقه، ولكن ليست كل الأحلام قابلة للتحقق، وما على المتضررين الذين يعتبرون تلك الأحلام كوابيس إلا الصبر والإصرار على المواجهة، لأن الزمن لا يتوقف على واقع اليوم، وأساطير كثيرة أخرى أعتى وأقدر من الولي الفقيه، سقطت بصمود الناس الساعين إلى الحرية.