في الأيام الأولى لحرب تموز (يوليو) 2006، راج بين انصار «حزب الله» سؤال تهكمي رداً على الاستنكارات لتفرد الحزب في توريط لبنان في حرب مدمرة. فراح الانصار يتساءلون «وهل كان على السيد (حسن نصر الله) ان يستشير نائلة معوض؟» قبل شن العملية التي أُسر فيها جنديان اسرائيليان، وأدت الى تفجير واحد من اعنف الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان.
السؤال التهكمي انطوى على بُعد ذكوري يتعالى على الوزيرة السابقة ويهزأ منها ومن طريقة كلامها، مقابل رجولة نصر الله وفصاحته. ويشير الى افتقارها الى الوسائل لتحقيق آرائها مقابل امتلاكه كل ما يلزم لفرض وجهات نظره. لا قيمة للآراء ووجهات النظر في هذا السياق. المهم القدرة على القسر والارغام وهي ما يتوافر لـ «السيد» ولا تملكه الوزيرة.
وما دام المجال لا يتسع هنا لقراءات فرويدية ولاكانية (نسبة الى عالم النفس الفرنسي جاك لاكان) في معاني الرجولة وما يدخل في بابها، نعود الى شأن راهن، هو العملية التي نفذها «حزب الله» امس الأول في شبعا ضد موكب اسرائيلي. فطوال ساعات النهار، عاش اللبنانيون اجواء حرب حقيقية وجدوا انفسهم، للمرة الألف ربما، يساقون اليها وهم غافلون.
والحال ان ذلك يطرح مجدداً مسألتين شديدتي الترابط: الاولى، تتعلق بالشرعية والوكالة والتمثيل. السؤال المُلحّ هنا عن الجهة التي منحت حزباً مسلحاً يمثل طائفة واحدة حق شن حرب يعرف الجميع مسبقاً انها سترتد بلاء ودماراً على لبنان واللبنانيين، على نحو ما فعل «النصر الإلهي» الذي لم نبرأ من مصائبه بعد. واذا كان زعماء الحزب يكررون ان «المقاومة لا تحتاج اجماعاً وطنياً»، فذلك يعني أن «حال الاستثناء» التي أملت ظهور المقاومة غداة الاجتياح الاسرائيلي للبنان ما زالت قائمة، وأن غياب الدولة ومؤسساتها ما زال سارياً. لا مفر عندها من ان يشمل الاستثناء الجميع، ذلك ان تصوراً يقول بحق حزب في انتزاع جزء من مهمات الدولة ومنع الحق هذا عن باقي الأحزاب والطوائف، هو وصفة مضمونة للحرب الاهلية.
الوكالة والشرعية والتمثيل القانوني، أمور لا يمكن تقسيمها على أنصبة وحصص تتيح لكل حزب تنفيذ سياسات بعينها. سواء كانت السياسات تلك تلبي حاجات وطنية او تندرج في اطار مشروع امبراطوري اقليمي.
المسألة الثانية تقوم على اعادة تعريف الصراع مع اسرائيل. منذ نهاية حرب تموز انضبط «حزب الله» بما جاء في القرار 1701. لم تتحرر مزارع شبعا بعد الحرب ولم ينفذ الحزب أي هجمات هناك. ودان كل عمليات اطلاق الصواريخ على الاراضي المحتلة متهماً القائمين بها بمحاولة جرّه الى حرب لا يريدها. فما هو إذاً هذا الصراع الوجودي الذي يغفو سنوات ليستيقظ فجأة؟ وكيف يدار ومن هي الجهة الموكل اليها متابعته؟
وثمة ما يتعين قوله بوضوح: ان البندقية التي تطلق النار مرة على الشعب السوري ومرة على الجيش الاسرائيلي، لا تعلن – على ما يقول انصار الحزب – وحدة العدو الصهيوني – التكفيري. بل تقول انها اخطأت مرتين: مرة في تورطها في الحرب على الثورة السورية، ومرة في كسرها حقّ اللبنانيين في ان يكون لهم رأي في حياتهم وموتهم.
عليه، لا بد من العودة الى مواطني هذا البلد وسؤالهم عما يرونه من مستقبل لهم في الحرب والسلم. ولا بد من استشارة من سيدفع من دمه ثمن خيارات كبرى، ومن بين هؤلاء لا بأس من استشارة نائلة معوض وغيرها.