قيل:
مَن فتح مدرسةً أغلق سجناً، لكن هذا القول لا ينطبق على المطاعم والسوبرماركت حيث القول السائد هذه الأيام هو:
مَن فَتح مطعماً أو سوبرماركت، يُفتَرَض أن يفتح معه مستشفى أو صيدلية.
نعم هذه هي حالتنا:
من المطعم إلى المستشفى! هذه هي خارطة الطريق في جمهورية الفساد والفاسدين والمفسدين والمواد الغذائية والطبية الفاسدة.
في جمهورية الفساد يصعب التمييز بين المسالخ وأمكنة تجميع النفايات، بحيث يلتبس الأمر على الناس، فالروائح ذاتها والعوارض ذاتها والسموم ذاتها، فالمسالخ تسلخ صحة المواطن ولا من حسيب أو رقيب.
في جمهورية الفساد يصحُّ تماماً القول:
كلُّ ديكٍ على مزبلته صيَّاح، فماذا يُطعمون الديكة والدجاج غير بقايا المزابل؟
وأين هي شروط الصحة العامة في الملش والذبح والتوضيب وصولاً إلى المستهلِك؟
ألا يبيعوننا السالمونيلا مع كلِّ دجاجة؟
وكانوا يقولون:
قُل لي مَن تعاشِر أقُل لك مَن أنت، صحيح، لكن القول المُحدَّث هو:
قُل لي ماذا تأكل، وخصوصاً من أين تأكل، أقُل لكَ في أيِّ مستشفى ستكون.
ورحلةُ العذاب لا تتوقَّف عند هذا الحد، فليس بالضرورة أن يكون المستشفى مكاناً للإستشفاء، فمَن يضمن أنَّ الدواء الذي يُعطى للذي أصابته عوارض التسمُّم أن لا يكون الدواء سبباً للتسمُّم أيضاً؟
فهناك أدوية مزوَّرة وأدوية منتهية الصلاحية، والأمر سيَّان بين المزوَّر والمنتهي الصلاحية، فكلُّ الدروب تؤدي إلى التسمُّم.
في جمهورية الفساد يشرب المواطن مياهاً ملوَّثة وتُروى المزروعات بالمياه الملوَّثة وصولاً إلى الريّ بمياه المجارير.
مَن المسؤول؟
وكيف تتدرَّج المسؤوليات؟
في جمهورية الفساد هناك كثرة مسؤولين وقلَّة تحمُّل مسؤولية:
هناك دوائر الصحة في البلديات.
هناك مصلحة حماية المستهلك.
هناك وزارات الصحة والبيئة والإقتصاد والداخلية والسياحة. فهل دود الفساد منه وفيه؟
كم من المرات أُثيرت قضية وسخ المسالِخ ولا من مجيب؟
كم من المرات أُثيرت قضية ريِّ المزروعات بالمجارير ولا من مجيب؟
كم من المرات أُثيرت قضية الأدوية المنتهية الصلاحية ولا من مجيب؟
في جمهورية الفساد يتعاطى المسؤولون مع إخبارات إنتهاء الصلاحية وعدم التزام شروط السلامة العامة، وكأنَّها وجهة نظر!
بدأ وزير الصحة وائل أبو فاعور، فهل سيقرع أبواب كل مغاور علي بابا؟
بدأ بالمأكولات، وتحديداً اللحوم والدجاج، تابع في مجال مراكز التجميل التي معظمها دكاكين، وسيواصل حملته بشركات تعبئة وبيع مياه الشرب، فإلى أين سيصل؟
كان قد باشر بالمستشفيات ومافياتها، فهل سيصل هذا الملف إلى خواتيمه؟
نطرح هذا السؤال مع الناس من باب التحذير والمتابعة وليس من باب التشكيك، فالناس على حق في عدم التصديق أنَّ الملفات ستصل إلى خواتيمها المطلوبة، فالمؤمن لا يُلدغ من الجحر مرتين.
في جمهورية الفساد لا بدَّ من إعلان البلد جمهورية منكوبة غذائياً وصحياً وبيئياً، فليس مسموحاً أن يُصبح التسمُّم كالبورصة، فكما تُفتَح البورصة على أسعار العملات والأسهم والمعادن، صارت بورصة التسمُّم تُفتَح على نقل عدد من المتسمِّمين إلى هذه المستشفى أو تلك.