IMLebanon

إلى «العاميات».. لإسقاط النظام الطائفي

إحدى ميزات البرجوازية في العالم الثالث، انها حققت سيطرتها ليس بالقطع «الثوري» مع الانظمة الاقتصادية – الاجتماعية السابقة كما في الدول الرأسمالية الاولى، بل في استيعاب هذه البنى الاجتماعية وتوظيفها في خدمة البرجوازية التابعة، بما في ذلك الحركات الدينية والاقطاع وكان من الطبيعي ان تدعم القوى الاستعمارية هذه الوجهة وتثبّتها.

وتبلور هذا الاتجاه في لبنان، خلال الحروب الاهلية التي حدثت في جبل لبنان في القرن التاسع عشر وبعدها ومع بداية تحلل السلطنة العثمانية وتكرست في لبنان «الوظيفة» (كما معظم الدول العربية الأخرى) بعد سايكس – بيكو.

لعل بقعة الضوء في هذا التاريخ، تلك التي شكلتها انتفاضات الفلاحين ضد الاقطاع المسيطر حينها وأبرزها «عامية انطلياس» و «عامية لحفد» والثورة الفلاحية بقيادة طانيوس شاهين. هذا الضوء هو الذي أرعب الإقطاع فكان أن استنجد كما دائماً بـ «القناصل» والقوى الأجنبية، لإسكات هذه الانتفاضات الشعبية وتحويل مسارها باتجاه الحروب الطائفية.

وتكررت هذه الممارسة في «لبنان الكبير»، فمع كل حراك اجتماعي ووطني تجري الاستعانة بالخارج من قبل تحالف البرجوازية وبقايا «الاقطاع المتبرجز» في مرحلة أولى ثم مع القيادات السياسية للطوائف في مرحلة ثانية. هذا الارتكاز على الخارج برر كل أشكال التبعية بما في ذلك الخيانة الوطنية، بالتبعية للاستعمار الفرنسي من قبل البعض والاستعانة بالاستعمار الانكليزي البديل من قبل البعض الآخر وحنين البعض الثالث في العودة للسلطنة العثمانية وأخيرا تبرير العلاقة مع العدو الصهيوني بحجة حماية «الطائفة» في مرحلة اخرى، ناهيك عن التبعيات الثانوية تجاه «المسيطر» سواء الفلسطيني والسوري او السعودي والإيراني ودائماً الاميركي.

ومن دون شك، شكّل الطائف، مرحلة متطورة من النظام الطائفي، أعاد فيها توزيع الحصص الداخلية والخارجية، تثبيت سيطرة النهج الاقتصادي للبرجوازية اللبنانية بشكلها الآتي مع الطائف والمرتكز داخليا على تحالف المصارف والشركات العقارية، وعلى تحالف إقليمي ـ دولي، سوري سعودي واميركي خصوصاً.

لقد شكل الفساد، كما دائماً، عنواناً اساسياً وميزة مكونة وبنيوية في طبيعة النظام الطائفي، وهي ميزة ضرورية لتثبيت النظام اخذت عناوين كثيرة ابرزها عنواني الزبائنية والمحاصصة.

ومن الطبيعي ان يعتمد نظام الطائف، اساليب النظام الطائفي الاساس في كسر التحركات الشعبية الوطنية والاجتماعية وفي مرات كثيرة تحويلها الى حروب اهلية تعيد، وبمساعدة خارجية دائماً، إعادة توزيع الحصص، كما في «الدوحة» على سبيل المثال لا الحصر. هكذا جرى التعامل مع تحركات «هيئة التنسيق النقابية» بنسختها الأولى من قبل حكومات الرئيس الحريري والتي ادت، برعاية سورية، إلى كسر الاتحاد العمالي وتطويعه، وهكذا جرى الامر ايضاً مع «هيئة التنسيق» بنسختها الحالية واحتواء تحركاتها وضرب القوى النقابية الديموقراطية في قيادتها.

ولا يجوز أن ننسى كيف تعاملت قوى النظام الطائفي مع عملية التحرير في العام 2000 ودور المقاومة المتراكم وذلك عبر جعلها مادة خلافية دائمة وبالتالي التآمر على انجازاتها.

]]]

في العام 2003، انفخت دف التحالف الاقليمي، المنتج لاتفاق الطائف، ثم حدثت عملية اغتيال رمزه السياسي – الاقتصادي وحاول التحالف الاميركي – السعودي عبر العدوان الاسرائيلي في العام 2006 القضاء على النتاج الايجابي لتلك المرحلة، اي محو آثار التحرير وانجازات المقاومة. وحاول ادخال نظام جديد يستمر تحت عباءته النظام الطائفي ونعني القرار – المؤامرة 1559، ما مهّد الأجواء لتوترات امنية طابعها الاساسي مذهبي منذ ذلك التاريخ حتى اليوم…

الاستنتاج الاساسي ان الطائف انتهى. وملحقه في الدوحة انتهى. تعقدت الأزمات بالتوافق مع الجو الاقليمي المتوتر ومع المشروع الاميركي بتفتيت المنطقة المفتتة اصلاً لاستكمال السيطرة على الثروة وللحفاظ على امن الدولة الصهيونية التي افقدتها المقاومة اللبنانية والفلسطينية الكثير من قدرتها الذاتية في هذا الإطار.

وفي الجانب الاقتصادي الاجتماعي، تصاعدت مفاعيل الأزمة.

اكثر من 70 مليار دولار دين عام يجري تحميل مفاعيله للمواطن اللبناني الفقير، ورفض اية مساهمة لمن ذهبت هذه الاموال الى صناديقهم في المصارف والشركات العقارية.

اكثر من عشرة مليارات دولار صرفت على الكهرباء ولا كهرباء.

رواتب اللبنانيين ثابتة عند حدود لا تكفيهم اكثر من ايام معدودة… فقراء يطردون من المدن لمصلحة الشركات العقارية، اولها «سوليدير» ومن ثم شريكاتها في الطوائف ـ المذاهب الأخرى.

أبسط المشاكل وهي النفايات، تحولت الى مصدر ثروة لزعامات الطوائف والبرجوازية اللبنانية بكلفة اثقلت كاهل المواطن ونهبت صناديق البلديات ومنعتها من ممارسة اي دور انمائي.

الأملاك العامة نهبها هؤلاء ذاتهم من «السوليدير» الى «زيتونة بيه»، الى كل الشاطئ اللبناني.

مرة جديدة هو «الفساد» والفساد لا يصح طرحه من دون تسمية الفاسدين والمفسدين. هو نظام الطائف، استمرار النظام الطائفي، عنوان الفساد الذي يشكل احد اسس بقائه والذي يحاول اليوم أركان «تحالف الطائف» استجداء التدخل الاقليمي الدولي من اجل استمراره ولو بنسخ جديدة هذه المرة في «مسقط» وربما نصل الى «غينيا بيساو».

]]]

يصطدم مشروع «تحالف الطائف» اليوم وكذلك مشروع «الفيدرالية» بأن الأجواء الاقليمية، برغم الاتفاق النووي، ما زالت متوترة وغير قادرة على التدخل لحل الأزمات السياسية في البلد، فيحاولون وضع لبنان في الثلاجة في انتظار وضع اقليمي مؤات لتجديد نظامهم وهم يتشدقون بشعارات الاستقرار، فعن اي استقرار يتحدثون والمواطن جائع ويعيش مضطراً بالعتمة، على رائحة النفايات، وكله خوف على حياته… اي استقرار والمؤسسات مدمّرة ومنحلّة وآخرها تسييس الجيش والقوى الأمنية بما يهدد وحدتها ووظيفتها.

انه أوان «العاميات». أوان العصيان السياسي على تحالف البرجوازية مع قوى الطوائف. «العاميات» دفاعاً عن حقوق المواطنين (كل المواطنين) السياسية والاجتماعية.

انه أوان «العاميات»، برغم كونها ستستفز بقايا الاقطاع وحلفاءها الجدد.

انه أوان «العاميات» من اجل منع تجديد نظام الفساد الطائفي ومن اجل دولة مدنية، دولة علمانية ديموقراطية، دولة الرعاية الاجتماعية.

ما يساعد في ذلك ان حماتهم في الخارج منشغلون. ربما اللحظة مناسبة، الفساد وراءه فاسدون، وللفساد نظام يستمر ضمنه وبحمايته. فإلى الشارع لبناء الدولة المدنية لبناء دولة الرعاية الاجتماعية، لاسقاط التحالف الطائفي ونظامه.

(]) الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني