IMLebanon

لنستلهم من معاني الصوم ما يرسخ وحدتنا الوطنية 

 

شهر رمضان محطة إيمانية كبرى قرن الله فيها عبادة الصوم بالتقوى مصداقاً لقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون»، والتقوى أبرز الأهداف التي ينبغي ان تحققها هذه العبادة، وهي لا تتجسد الا بالطاعة المطلقة لله عز وجل في أوامره ونواهيه. من هنا فإننا مطالبون بأن نتقي الله في القول والعمل ونجسد صيامنا بالإقلاع عن الكلام السيئ والخطاب المتشنج فيكون لساننا لهجا بذكر الله وكلامنا طيبا يرضي الله وأعمالنا صالحة تقربنا إلى الله، فنبادر إلى فعل الخيرات ونبر الأيتام ونصل الأرحام ونجهد ليعم الخير كل الأنام، فالتواصل أيها الإخوة مطلوب والتراحم مستحب والعطاء والكرم للفقراء واجب، فصلوهم وحسنوا مواقعهم وانفتحوا عليهم كونوا خيرا لهم ولا تمنوا عليهم ولا تستكثروا العطاء، فهم إخوانكم في الدين والوطنية وارحموا الناس واذكروا بجوعكم وعطشكم عطش يوم القيامة وجوعه.

إن هذا الشهر ايها الاخوة، شهر العبادات والمعاملات وعلينا أن نرفع أيدينا بالدعاء الصادق والخالص لله عز وجل ان ينصر المظلومين ويهلك الطغاة الظالمين، وهو شهر الانتصار على الذات والأهواء، ونحن فيه مدعوون إلى الجهاد الأكبر إلا وهو جهاد النفس الأمارة بالسوء وهو جهاد الشهوات والغرائز الشيطانية، مما يحتم ان نحصن انفسنا بالتقوى فنجتنب الحرام والمعاصي والشر ونتمسك بالحق والخير والصلاح، فنعمل بالقران وتعاليمه، ونسير على نهج رسول الله والائمة المعصومين مستلهمين من نهجهم سبيل الصلاح وطريق الهداية.

وبالعودة إلى واقعنا العربي والإسلامي، فان هذا الشهر يشكل مناسبة لنصلح واقع امتنا بالعودة إلى تعاليم الدين التي توصينا بالوحدة والتعاون والتزام الاستقامة والاعتدال ومحاربة الظلم، لذلك لا بد ان نوحد صفوفنا ونلم شملنا ونرأب صدعنا ونقف شعوبا وأنظمة بوجه مشاريع الاستعمار التي تقف خلفها قوى شيطانية تتزعمها الحركة الصهيونية بهدف تفريق الشعوب الإسلامية وإلهائها في نزاعات داخلية تخدم الأهداف الاستعمارية، وأفضل رد على الاستعمار يكون بتصويب بوصلة الصراع ضد اعداء الأمة، فيتمسك العرب والمسلمون بحقوقهم المشروعة في فلسطين ويحتضنون قضية فلسطين وشعبها ويدعمون مشروع المقاومة والممانعة الذي اثبت بالفعل انه الوحيد القادر على تحرير الأرض وردع العدوان وحفظ الأوطان.

ونحيي التضحيات العظيمة للشعب الفلسطيني التي تدين الصمت الدولي، وتكشف عن خيانة عالمية تقف خلفها دولاً شريكة لاسرائيل في اجرامها ضد الفلسطينيين العزل الذين اثبتوا انهم اهل للبطولة والتضحية، ونحن اذ نبتهل الى الباري عز وجل ان يتغمد شهداء فلسطين بواسع رحمته وان يمن على الجرحى بالشفاء العاجل، فاننا نؤكد من جديد ان ضمانة تحرير فلسطين ونيل الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة هو المقاومة والصمود، ولا سبيل لانقاذ المسجد الاقصى الا بالجهاد والمقاومة، ونستحضر قول الامام السيد موسى الصدر حين قال: ان شرف القدس يأبى ان يتحرر الا على ايدي المؤمنين الشرفاء، فاسرائيل هي الشر المطلق، وكل تعامل معها خيانة وعمل محرم، وقتالها واجب انساني وقومي واخلاقي يحتم ان تتضافر جهود المسلمين والمسيحيين لانقاذ فلسطين وحفظ مقدساتها ومساندة شعبها البطل الذي يسطر اروع البطولات في معركة الشرف والاباء والحرية.

نبارك الدماء الطاهرة والتضحيات العظيمة لشعب فلسطين التي ماثلتها تضحيات لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته في معركة تحرير لبنان من رجس الارهابين الصهيوني والتكفيري، حتى بات لبنان كما فلسطين قدوة في العالم لنيل الحرية وتحرير الارض وحفظ الوطن، وعلى العرب والمسلمين والمسيحيين ان يتحملوا مسؤولياتهم الأخلاقية والوطنية والقومية في دعم الشعب الفلسطيني وإعادة احتضان القضية الفلسطينية لتكون فلسطين وشعبها ومقدساتها في قلوبهم وعقولهم، ولتكون مواجهة إسرائيل عنوانا لكل حراك وتحرك شعبي ورسمي.

وفي وطننا الحبيب لبنان فإن علينا ان نعي خطورة المرحلة ونستلهم من معاني الصوم القيم والفضائل التي تصلح حالنا وتقوي منعتنا وترسخ وحدتنا الوطنية التي كانت ولا تزال سدا منيعا يقينا الانزلاقات والمهاوي الخطرة، من هنا فإننا نطالب السياسيين بالإمساك عن قول السوء والإقلاع عن كل ما يثير الفتن والنزعات الطائفية والمذهبية، فيكون الخطاب الهادئ والمعتدل نهجا وسلوكا في العمل السياسي، وعلى اللبنانيين ان يتذكروا ان لا عداوة بين فريق وآخر، ولا يوجد عدو للبنان الا العدو الصهيوني ومن يتحالف معه، وعليهم ان يحذروا مكائد إسرائيل ومؤامراتها وفتنها فيتصدوا لها بوحدتهم الوطنية، ويتمسكوا بالخيار الذي حمى الوطن وحرر أرضه وحقق استقراره، لأنه السبيل والضمانة والرد على اي تهديد وخطر اسرائيلي، ولا سيما اننا نحتاج اليوم اكثر من اي وقت مضى لتحصين منعة لبنان من خلال التشبث والالتفاف خلف جيشنا ومقاومتنا ليظل لبنان محظياً بهذه المعادلة الوطنية التي تردع اسرائيل عن القيام بأي حماقة بالاعتداء على لبنان.

وكل عام ولبنان والعرب والمسلمون بألف خير، ونسأل المولى أن يتقبل صيام الصائمين وأعمال العاملين ودعوات الصادقين.

 

 

* رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.