أثبتت السُلْطة وفي كافة المجالات فشلها. فبعد إستقالة «الحريري» وتحوّل حكومته حكومة تصريف أعمال، إتّفق «التيّار الوطني الحرّ» و«حزب الله» وحركة «أمل» على تكليف الدكتور حسّان دياب، تشكيل الحكومة العتيدة، بموافقة رئيس الدولة. فيما أعلَنَتْ «القوّات اللبنانية»، كذلك تيار «المستقبل» والحزب التقدُّمي الإشتراكي، رفض التسمية والمشاركة بأي شكل من الأشكال.
إعتقد كثيرون، أنّ مهمة الرئيس المُكلّف، ستكون سهلة ومُيسّرة، ولكن ما حصل جاء عكس المُتوقّع، حيث إصطدم أهل السُلْطة بالرئيس المُكلّف، بعد أن عادت «حليمة» السُلطة، الى عادتها القديمة، إن كان لجهة المطالبة بحصر التسميات بها، وإن كان لجهة المُحاصصة في الوزارات.
وبالتالي، أثبتت السلطة مُجدّدًا فشلها في إدارة الحُكم وتشكيل الحكومة، فيما الشعب اللبناني بات تحت خط الفقر، يُعاني الأمرّين، دون أن يرّف للسُلْطة الحاكمة جفنُ، أو يحرّك بها ساكنًا.
وأمام هذا الواقع المرير، بات لا بُدّ من حلّ جذري للأزمة المستفحلة، بعد أن صار الوطن على شفير إنهيار كامل ومُدوٍّ. وترجمةً لهذا الحلّ الجذري للأزمة المستشرية في عروق الوطن، يقتضي العودة إلى الشعب، إلى مصدر السلطات، وصاحب السيادة والقرار.
نصّت الفقرة «د» من مقدّمة الدستور، أنّ الشعب هو مصدر السلطات، وصاحب السيادة، يُمارسها عبر المؤسسات الدستورية.
ولمّا كان من الثابت، أنّ الشعب اللبناني (والذي هو مصدر السلطات) والذي إنتخب المجلس النيابي الحالي عام 2018، عاد وسَحَبَ الثِّقة من مُعظَم نوّابه، وانتفض عليهم، وذلك في إنتفاضة 17/10/2019، ولمّا يزل حتى تاريخه في الشوارع وفي الساحات.
ألا يقتضي، أمام هذا الإنقلاب من الشعب على مُعظَم نوّابه، الذهاب إلى إنتخابات نيابية مُبْكِرة، لإعادة بناء السُلْطة وتجديدها؟ عِلْمًا، أنّ السلطة التشريعية هي أُمّْ السُلْطات، ومنها تنبثق بقية السُلْطات.
هل يُدْرِكْ أهل السُلْطة، ما الذي ينتظرهم بحال إغفالهم مطالب الشعب المُحِقّة؟.
وهل ما زالوا يقصدون الأماكن العامة والمطاعم والمقاهي، كما كانوا عليه قبل 17/10/2019 ؟.
والمؤسِفْ، أنّ السُلْطة ورُغْمَ مرور ثلاثة أشهُر على الثورة أم الإنتفاضة أم الحراك، لم تُحَرِّك ساكِنًا.
فهل تُدرِكْ السُلْطة، أنّ ثقة المواطن بها قد تبخّرَتْ وإندَثَرَتْ، والأمور ذاهبة نحو الأسوأ؟.
في أيّار من عام 1968 شَهَدَتْ فرنسا أحداثاً وإضطرابات، سادتها الإضرابات العامة والإعتصامات في المصانع والجامعات، حيث كان هذا الإضراب هو الأكبر في تاريخ فرنسا. فكيف تصرّف الرئيس الفرنسي شارل ديغول؟
سافر الرئيس الفرنسي يومها لساعات بسرّية كبيرة ومن دون إعلام أحد، حتى رئيس حكومته جورج بومبيدو إلى ألمانيا، وذلك لمُقابلة صديقه الجنرال الفرنسي جاك ماسو ليتأكّد من ولاء الجيش له، خوفًا من الإنقلاب عليه.
وبعد أن عاد، حلّ الجمعية الوطنية (أي المجلس النيابي الفرنسي) وأعلن عن إنتخابات برلمانية جديدة في حزيران من العام نفسه، أي بعد شهر واحد على الإعتصامات والإضراب العام.
أما نحن، إنقضت اسابيع وأشهُر على الحراك، من دون أن تلجأ السلطة إلى العودة للشعب، لمعرفة ماذا يُريد، ومَنْ يختار لتولّي القيادة.
بالتالي، لا مفرّ أمامنا إلاّ تقصير ولاية المجلس النيابي الحالي، والذهاب إلى إنتخابات نيابية مُبْكِرة، في خريف العام الحالي، للإستماع إلى مطالب الشعب.
صحيح أنّ المجلس النيابي الحالي قانوني ودستوري، ولكنه بات غير شرعي، ويحتاج إلى تجديد الثقة به، ويحتاج إلى مشروعية شعبية، فقدها نتيجة الثورة الشعبية المُستمّرة.
فالهروب إلى الأمام لن يُجْدي نفعًا، وتحجيم الحراك لن يَفي بالغَرَضْ، ستزداد الأمور تعقيدًا، وسنواجه الأسوأ…. وقد أُعْذِرَ مَنْ أَنْذَرْ.
مما يُفيد، إنّ الذهاب إلى إنتخابات نيابية مُبْكِرة، ولو في ظلّ القانون الحالي (44/2017) يبقى الأنسب والأفضل من البقاء في النفق الأسود، والذي نمُرّ به اليوم.
فالإحتكام إلى صوت الشعب يبقى الأساس، مُردّدين مع أبو القاسم الشابّي قوله:
«إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بُدّ أن يستجيب القدر.
ولا بُدّ لليّل أن يَنْجلي ولا بُدّ للقَيْدِ أن يَنْكَسِرْ».