IMLebanon

تمديد العقوبات على إيران… الخلفيات والتداعيات

ردود الفعل على قرار الكونغرس الأميركي تمديد العقوبات على إيران، تتوالى وتتصاعد، وسط خشية من أن يشكّل السجال حول الملف النووي الإيراني، أحد العناوين الأساسية للسياسة الخارجية للرئيس المنتخب دونالد ترامب، ما يزيد من حدة التوتر والصراع، ويحدّ من فرص التوصل إلى حلول لأزمات المنطقة، التي تُعتبر إيران أحد عوامل أمنها واستقرارها الرئيسة.

سمح الرئيس باراك أوباما بتمرير القانون الذي صادق عليه الكونغرس، لكنّه لم يوقّعه، فيدخل حيّز التنفيذ. وأكّد أنّه لا يؤثر على تطبيق الاتفاق، لطمأنة طهران. فالكثيرون،خصوصاً الإيرانيون، يجدونه مخالفاً لروح الاتفاق بين إيران والقوى الست الكبرى.

القرار الأميركي، نتيجة طبيعية للغموض في توجهات الإدارة المقبلة في السياسة الخارجية. موافقة أوباما تبدو محاوَلة لإرضاء الكونغرس، وتفادي معركة معه، فيما تستعدّ إدارته للمغادرة. أمّا الكونغرس، فصادق على القرار استباقاً لأيّ صدام مع ترامب، ومحاولةً لاحتواء اندفاعته ضد الاتفاق النووي، بإعادة النظر فيه أو تعطيله.

كما يقف أعضاء الكونغرس بغرفتيه، أمام خيارَي المواجهة مع ترامب، أو الالتحاق به، لحفظ مصالحهم ومواقعهم. فالحزب الديمقراطي يمرّ بأصعب مراحله، سياسياً وشعبياً وعلى مستوى القيادة والمشروع.

فيما تحوَّل الحزب الجمهوري إلى ما يشبه جبهة من تيارات مختلفة، تتضارب مصالحها وتتناقض أهدافها وأفكارها. ما يجعل الاصطفاف خلف ترامب، في هذه المرحلة ضرورة، كي لا يجد أيّ فريق نفسه وحيداً في مواجهته، أو مسؤولاً عن أيّ سياسات خاطئة.

قرار تمديد العقوبات على إيران، هو تعبير عن الصراع الداخلي، بين إدارة ترامب وتحالفه مع اليمين المتطرّف، وبين النخب السياسية التقليدية. وهو انعكاس مبكر لسعي ترامب لاستعادة «الهوية الأميركية»، رافعاً شعار «أميركا أولاً» في مواجهة المنظومة التقليدية الحاكمة، وانعكاس لطروحاته في السياسة الخارجية، التي تدفع في اتجاه القطع مع السياسات السابقة.

وتعمل على دفع الشركات الأميركية للانكفاء نحو الداخل الأميركي. خسائر تلك الشركات في إيران، لا تعني الكثير بالنسبة لترامب وإدارته، التي تريد تكبيل الداخل بسياسات خارجية تساعد على الانكفاء.

موقف ترامب المناهض للاتفاق النووي ينبع من إدراكه، بأنّ سياسة الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، ستدفع إلى مزيد من الصراعات لملء الفراغ. ويُعِدُ فريق ترامب العدة، لمنع إيران من ملء أيّ فراغ، خشية انعكاس ذلك على حلفاء واشنطن، وخصوصاً إسرائيل.

لا شك لدى الأميركيين، في أنّ إيران هي القوة الإقليمية الأكثر نفوذاً وتأثيراً، وهو ما يرفض ترامب قبوله، بالإصرار على حصارها، اقتصادياً بالعقوبات، وسياسياً باستمالة روسيا، الساعية لإنجاز تسوية شاملة مع واشنطن في المنطقة والعالم.

إدارة ترامب ستحرص على منع الصدام العسكري المباشر مع إيران، بمواصلة سياسة الاحتواء، وستحاول حرمان المحافظين في إيران من «العدو» الذي يجمعهم، على أمل أن يرتدّ الصراع إلى الداخل الإيراني. وستعمل، حسب رؤية ترامب، على الحدّ من نفوذ طهران في العراق، عبر إعادة الإعمار، وتعزيز الأمن، وتوفير «الحكم الرشيد»، والعنصر الأخير يحمل الكثير من المضامين الخطيرة.

يعتبر ترامب محور «المقاومة»، تهديداً للولايات المتحدة ولإسرائيل. فإيران، ومعها الشيعة، في العقل الأميركي، قوة فتيّة صاعدة، ومنظّمة، في طور صياغة مشروع إقليمي كبير، يقوم على تعاون شعوب المنطقة بمختلف طوائفهم وأعراقهم.

وهو مشروع يهدّد إسرائيل وجودياً، ويشكّل نجاحه عائقاً استراتيجياً أمام سعي الولايات المتحدة، للهيمنة على المنطقة والعالم. ولإفشاله، تستخدم إدارة ترامب الملف النووي مقدِّمة جديدة للصراع، ومدخلاً آخر لتبرير فوضى الجماعات التكفيرية الإرهابية، ودعمها وتغذيتها، لكبح هذه القوة الصاعدة وتقطيع أوصالها.

ويعتقد ترامب أنّ أيّ تفاهم مع طهران، يجب أن يكون مقدِّمة لتغيير جذري داخل إيران، أولويّته تغيير الموقف من إسرائيل، ثمّ فك الارتباط مع روسيا والصين.

الذهاب بعيداً في تطبيق العقوبات، سيكون مُكلفاً، في حال الفشل في تحقيق أهداف استراتيجية كبرى، لكنّ معرفة ترامب المحدودة بالسياسة الخارجية، ستمنح فريق مستشاريه التأثير الأكبر.

من هنا تأتي خطورة وجود أعضاء في إدارته، من داعمي الحروب، مثل جيمس ماتيس، الذي يعتبر إيران «التهديد الأكبر والدائم للاستقرار والسلام في الشرق الأوسط» وأنّها «دولة مكرّسة للفوضى».

ويعتبر مواجهتها بشكل أكبر، ضرورة لأنّها «تمثل خطراً أكبر من القاعدة وداعش». ورودي جولياني، الذي ساهم في حذف اسم جماعة «مجاهدي خلق» من لائحة المنظمات الإرهابية، وجون بولتون صديق إسرائيل، وغيرهما.

ستكتفي طهران حالياً، بالردود العادية المتناسبة، محتفظة بالردود الأساسية إلى ما بعد تنصيب ترامب، ورصد حقيقة مواقفه. وستعمل في هذه المرحلة، على استثمار القرار الأميركي في إثبات مصداقيتها في الالتزام بالاتفاقات، وإظهار عدم مصداقية الأميركي، الذي سيبدو اعتباطياً ينقض الاتفاقات، ولا يفي بالالتزامات، ويستخف بالتحالفات.

وستستغلّ قلق الأوروبيين من توجّهات ترامب الاقتصادية وسياساته الخارجية، بالتوجّه نحو أوروبا، وزيادة التعاون معها، للاستعاضة بما تقدّمه، عمّا لدى الأميركيين.

على رغم الغضب الظاهر، فإنّ الارتياح يسود معسكر المحافظين في إيران، فهم يعتبرون القرار هزيمة لحكومة الرئيس حسن روحاني، وبدأ بعضهم التشكيك في شرعية حكومته، على خلفية ردة فعلها المهادنة، وضعف منطقها المبني على سياسة «الواقعية والعقلانية» التي روَّج لها روحاني وظريف، كبديل عن سياسة «القيم والمبادئ الثورية».

فالقرار الأميركي يؤكد أنّ فرض العقوبات على إيران، منذ البداية، لا علاقة له بطبيعة التوجّهات السياسية، التي تبنّاها المحافظون خلال المرحلة الماضية. وهم بدأوا بالدعوة لتنفيذ رؤية أية الله علي خامنئي، مرشد الجمهورية، بالعودة إلى الاعتماد على النفس، والتحرّر من القيود والمنافسة، التي تفرضها الاستثمارات الأجنبية.

ومنع حكومة روحاني من الربط التبعي للاقتصاد بالأسواق العالمية. وهو ما سيساعدهم على تحجيم الإصلاحيين، ودفع روحاني نحو اتخاذ مواقف أكثر تشدّداً، تجاه الولايات المتحدة وحلفها، أو الذهاب إلى انتخاب رئيس متشدّد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لموازنة تشدّد ترامب، مستغلّين العجز الأميركي عن تحشيد إجماع دولي ضد إيران.

المشهد الإقليمي، والتحوّلات المتوقعة في المشهد الإيراني، تدفع الأوروبيين إلى السعي لتعويم روحاني وفريقه، ومحاولة إقناع ترامب بعدم التخلّي عن الاتفاق النووي.

كما دعت المجموعة الأوروبية إلى إحياء قوانين تمنع الالتزام بالعقوبات الأميركية، لتشجيع الشركات الأوروبية على الاستثمار في إيران، وطمأنة الإيرانيين إلى أنّ السداسية الدولية لن تلتزم بالقرار الأميركي، الذي يرجّح أن تنجم منه خسائر أميركية، من دون أن يترك أيّ آثار على علاقة إيران ببقية العالم، خصوصاً الصين وروسيا واليابان والهند، وغيرها من الدول المركزية.