أثناء مداولات مؤتمر الطائف عام 1989، تمَّ الإتفاق على رفع عدد أعضاء مجلس النواب من 99 نائباً إلى 108 نواب، وقَصد المؤتمِرون من وراء ذلك إحداث المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في مجلس النواب. ولكن في صيف العام 1990، وحين اجتمع مجلس النواب لتعديل الدستور لإدخال تعديلات الطائف في المواد الدستورية، إرتأى المشترِع أن يرفع عدد أعضاء مجلس النواب إلى 128 نائباً، بإضافة عشرين نائباً على ال 108.
حسناً فعل المشترِع حين رفع عدد أعضاء مجلس النواب، وفي فعلته هذه أثبت أنّه صاحب رؤية شاملة تمتدُّ لنحو ثلاثين عاماً، ففي رفع أعضاء مجلس النواب إلى 128 نائباً، صار بالإمكان تشكيل ثلاث حكومات، وكل حكومة من هذه الحكومات تتألف من إثنين وأربعين وزيراً أي أكثر من عدد أعضاء الحكومات المقترحة:
12 وزيراً زيادة عن الحكومة الثلاثينية، و18 وزيراً عن حكومة ال 24 وزيراً.
هكذا يتمُّ إشباع هجمة الإستيزار، فيكون كلُّ نائب وزيراً، والأمر لا يستدعي الإنتظار، إذ بالإمكان تشكيل ثلاث حكومات في آن واحد لثلاثة دوامات في النهار الواحد، بمعدل ثماني ساعات في اليوم لكلِّ حكومة.
حكومة الدوام الأول تتألف من النواب الذين تُحتِّم أعمالهم أن يبدأوا دواماتهم باكراً.
حكومة الدوام الثاني تتألف من النواب الذين اعتادوا على العمل بعد الظهر.
حكومة الدوام الثالث تتألف من النواب الذين اعتادوا العمل ليلاً.
هكذا يكون النواب قد غطوا عملية الإستيزار بالكامل، وتتحقق الأهداف التالية:
نيل الثقة يتمُّ سريعاً في مجلس النواب، فالوزراء هُم النواب، وبالتأكيد سيمنحون الثقة لأنفسهم.
لن تُعقَد جلسات مناقشة الحكومة، فهل يناقش النواب أنفسهم؟
تتوزَّع التلزيمات والمناقصات والمزايدات بالتساوي، فلا يُضطرُّ وزير إلى إرضاء النواب، فيتبادلون المنافع لأنهم نواب ووزراء في آن واحد.
هكذا يتحقق الإستقرار السياسي والنيابي والوزاري والتشريعي.
ومما يسهِّل الأمر أيضاً أنَّ الأحزاب والتيارات والحركات لديها ممثلون في مجلس النواب، وحين يتحول النواب إلى وزراء تكون الأحزاب والتيارات والحركات قد تمثَّلت في الوزارات.
مَن يريد استقراراً أكثر من هذا الإستقرار؟
ومَن يريد راحة بال أكثر من راحة البال هذه؟
حتى الأمور الأكثر تعقيداً لا تعود تحتاج إلى مناقشات ضارية، فالموازنات العامة، على سبيل المثال لا الحصر، يُعدُّها الوزراء، حين يكونون بالصفة الوزارية، ويناقشونها حين يكونون بالصفة النيابية، ويصادقون عليها.
هل تريدون أكثر من هذا الإستقرار؟
إنَّه النموذج اللبناني في الحكم الذي يجب أن يُدرَّس في كلِّ جامعات العالم ويُطبَّق في الدول التي تنشد الديمقراطية والإستقرار.