عذراً لأنك رحلت وتركت بلدك في أدنى مستوياته الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية، أنت الذي قدمت الكثير كرجل فكر وقانون ودولة!
عذراً يا أيها الكبير لأنك أنت الذي حاولت أن تغير في قانون الانتخاب وتحدثه وتطوره، عذراً منكً لأننا أصبحنا من دون انتخابات!
عذراً يا أيها الديبلوماسي الرفيع الذي حاول تثمير علاقاته الخارجية من أجل مصلحة لبنان والحفاظ على صورته الحضارية والديموقراطية والمتطورة، عذراً منك لأنهم اليوم، على عكس كل ما عملت من أجله، يستعملون علاقاتهم وارتباطاتهم الخارجية لزج لبنان في الحروب والصراعات، ولم يتركوا ملفاً إلا أدخلوا أنفسهم فيه لجلب الويلات على وطن ما عاد يحتمل. ولم يكن ينقص لبنان إلا قضية الشيخ نمر النمر والتصريحات اللبنانية في هذا الشأن. فيا معالي الوزير فؤاد بطرس، ألا تظن أن ما فينا يكفينا لكي يتجنب حكامنا زجنا في الحروب السورية وفي الصراعات الايرانية – السعودية؟ ألا تكفينا حروب الآخرين على أرض لبنان، كما كان يصفها رفيق دربك والمحطات التاريخية التي واجهها لبنان – غسان تويني؟
يا معالي الوزير، كم تليق هذه التسمية بأمثالك وكم لا تليق ببعضهم اليوم، يا معالي الوزير الذي أعطى الكثير في التربية والعدل والدفاع، والأهم أنه أعطى لبنان بمواقفه الحيادية المتجردة والوطنية وكان دوماً ملك المفاوضات والديبلوماسية! ففؤاد بطرس فاوض أكثر من مرة وكان ممراً لا مفر منه للديبلوماسية، ومعركته للحفاظ على الدولة الى جانب الرئيس الياس سركيس لا يمكن أن تنسى. وكان يتمسك بصلابة بكل أسس السيادة والاستقلال، ولا يقبل أي تهاون في شأنهما.
اليوم لا نودّع فقط فؤاد بطرس، نودّع آخر الرجال الرجال في زمن نفتقدهم كثيراً، نودع ذاكرة وضميراً لبنانياً نادراً.
بعد رحيله لا يمكننا إلا أن نعترف بتدني المستوى السياسي وتدهوره بعد زمن الرجل الذي واكب الرؤساء فؤاد شهاب وشارل حلو والياس سركيس. هذا الرجل رحل مواكباً فراغاً رئاسياً هو الذي شهد على محطات تاريخية ومواقف وطنية في سدة الرئاسة!
فلهذا العملاق نقول عذراً ووداعاً، ونودّع آخر رجال القانون والدولة والمستوى الرفيع لكي يلتحق بمن سبقه من كبار، كغسان تويني والشيخ ميشال خوري، وكي يلتحق بالكبار الذين تأثر بهم من ميشال شيحا وفؤاد شهاب، ويتركنا مع الصغار الصغار، الى مصير نحو المجهول، وكما قال يوماً فؤاد بطرس: “الى سواد لا نراه اسود لأننا متشائمون بل لأنها الحقيقة، فالأسود اسود”… واليوم يا كبير تركتنا في الأسود بين أيدي من لا يشبهك ومن يراهن علينا يوماً لأجندات خارجيةً! فوداعاً يا كبير.