Site icon IMLebanon

لكي نخرج من الفولكلور الانتخابي

مع انتهاء الجولة الثالثة من الانتخابات البلدية والاختيارية الحالية، والتي شهدت حيوية يجب البناء عليها وتحليل أسبابها، وقبل التوقف عند قراءة نتائجها لمعرفة الخاسر من الرابح خصوصاً أنّ الأرقام في لبنان هي مجرد وجهة نظر… مع اعتماد كلّ طرف الاختباء خلف عوامل عدّة تُمكّنه من إخفاء حساب حقله وبيدره… من واجب كلّ مراقب ومواطن ومهتم أن يتوقف عند آليات العملية الانتخابية والقانون الذي يرعاها ليستنتج بأنهما يمنعان التغيير الحقيقي الذي هو المدماك الأوّل من وراء إجرائها… وبأنّ الزمن قد مرّ عليهما، وسبقهما التطوّر الاجتماعي والديموغرافي، بل هما وبالإضافة الى عوامل أخرى يُحوّلان العملية الديموقراطية فولكلوراً انتخابياً…

فقد نصّ قانون البلديات على انتخاب أعضاء المجلس البلدي وفقاً للنظام الأكثري، والتجربة تؤكّد أنّ هذا النظام يمنع التمثيل الصحيح لكلّ مكوّنات البلدات والقرى، لا سيما في البلديات الكبرى، وما يزيد الطين بلّة في هذا المجال، هو أنّ على الناخب في البلدات المتوسطة والكبرى أن يختار لائحة يختلف عدد أعضائها بحسب أعداد الناخبين فيراوح بين 15 و24 عضواً… من دون أيّ معرفة حقيقية مسبقة بالمرشحين، ومن دون أن تتسلّح أيّ لائحة بمشروع إنمائيٍّ واضح، أو أن تُحاسب على ما أنجزته سابقاً في حال كانت في سدّة المسؤولية، ما يؤدّي الى تزوير الإرادة الشعبية، إذ إنّ أولى شروط الانتخاب الصحيح هي معرفة المواطن مَن ينتخب وفقاً لمشروع معلن على أن تتساوى حظوظ المرشحين للوصول الى الناخبين… كلّ هذه الشروط لم تتأمّن في هذه الانتخابات، إذ إنّ المؤشرات والتصريحات في معظمها كانت تقول بإمكانية تأجيلها، كما حصل مع الانتخابات النيابية، ما منَع التحضير الجدّي والمفيد والتواصل الحقيقي بين الناخبين والمنتخبين في معظم القرى والبلدات.

كلّ هذه الوقائع تؤكّد فشل النظام الأكثري في إنتاج مجالس بلدية فاعلة يمكنها أن تؤدّي الدور الأوّل والأساس لقيام مجالس بلدية حقيقية تتمتّع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وتُعتبر المدماك الأوّل في الانماء المناطقي.

ولا يمكن الخروج من هذه الدوّامة إلّا باعتماد نظام انتخابي جديد يُنتخب فيه الرئيس مباشرة من الشعب مع تقصير مدة ولاية المجلس الى أربع سنوات، على أن يُعتمد النظام النسبي لانتخاب اعضاء المجلس البلدي، ما يؤمّن المشاركة لكلّ القوى التي تمثّل القرى والمدن، كما يمنع الكثير من الانتهاكات التي نُسجّلها مع كلّ عملية انتخابية كشراء الذّمم والتشطيب والمضايقات التي يتعرّض لها الناخبون من نافذين كثر.

ومن الملاحظ أنّ المطالبة بهذا الإصلاح قديمة وتعود الى أوائل ستينيات القرن الماضي، ولكن مع الاسف يبدو أنّ الطبقة السياسية القابضة على أعناق اللبنانيين تخاف من هذا التطوّر الإصلاحي كونه سيؤدّي حتماً الى تطوير القانون الانتخابي النيابي ما يُعطّل سيطرتهم على الحياة السياسية في لبنان…

هذا من ناحية القانون الانتخابي، أما آليات الانتخاب والفرز وعدم تطوير مكننة لوائح الشطب والنقص في تدريب الأجهزة الرقابية من قوى امنية ورؤساء اقلام، والبطء في إصدار النتائج نتيجة لكلّ هذه الآلية البالية والمعقّدة، فلا يجوز بعد اليوم التوقف عندها فقط وإنما ينبغي الاستفادة من التجارب السيّئة لإيجاد حلول علمية وعملية لتطوير هذه الآليات وتحديثها، من أجل المساهمة الحقيقية في تطوير ديموقراطية العملية الانتخابية بكلّ نواحيها… إذ إنّ الانتخابات هي أولاً ثقافة تُساهم في تطوّر الشعوب، وهي آليات عملية حديثة تساهم بتحصين الديموقراطية من كلّ نواحيها.

هذه الملاحظات السريعة والجارحة تقودنا الى ضرورة عدم تضييع الوقت والتلهّي بالرابح والخاسر، بل من واجبنا الانكباب على العمل لتحديث آلاليات والقانون من أجل الوصول الى لامركزية إدارية فاعلة تُبدّل الكثير من يومياتنا، لا البقاء أسرى عملية عادية نمارسها كل ستّ سنوات.