لا بدّ أن كل أعداء السياسة الأميركية في العالمين العربي والاسلامي، وفي الشرق الأوسط تحديدا، يشعرون اليوم بالشكر والامتنان للرئيس الأميركي دونالد ترامب على موقفه الأخير وقراره الانسحاب من منظمة اليونسكو اعتبارا من مطلع العام الجديد. وقد استحق هذا الشكر لأن ترامب ظهر على حقيقته وأعلن ان السبب الوحيد لانسحاب أميركا من المنظمة الثقافية الدولية هو… العداء لاسرائيل! وهذه المرة يظهر الموقف الأميركي عاريا حتى من ورقة التين، خلافا لما فعله ترامب قبل ذلك بتغطية الحرب السياسية والاعلامية والاستخبارية التي يشنّها على ايران وحزب الله، بتهم مختلفة مثل عدم احترام ايران لما وصفه ب روح الاتفاق النووي معها، لأن الوكالة الذرية الدولية شهدت مرارا بأن ايران التزمت بالنص واحترمته! أو مثل اتهام الحزب اللبناني الذي كان الأبرع في كسر الارهاب التكفيري بأنه… ارهابي!
***
اليوم فقط يجب أن يفهم العالم، ان هذا الرئيس الأميركي المسطح التفكير، ليست لديه سياسة خارجية مستقلة للولايات المتحدة، وانه قام بتبسيط الأمور على نفسه وجعل من سياسة اسرائيل الخارجية هي السياسة الأميركية المعتمدة في البيت الأبيض! ولأن ايران وحزب الله هما الخطر الاستراتيجي المتبقي على اسرائيل، فقد اختار ترامب الحرب عليهما بكل الوسائل المتاحة، الباردة أو الساخنة اذا اقتضى الأمر، وهو العنوان العريض الوحيد لعهده! هذا على اعتبار أن أميركا واسرائيل قامتا سابقا بازالة الخطر الاستراتيجي الذي كان يهدّد اسرائيل تباعا وعلى التوالي: من ياسر عرفات واغتياله بالسمّ عن بعد، الى اغتيال صدام حسين ومعمر القذافي بالحرب العسكرية المباشرة أو غير المباشرة، الى تدمير سوريا وانتزاع أنيابها ومخالبها الى عشرات مقبلة من السنين كما يعتقدون! وثم تحييد مصر بمعاهدة السلام المنفرد والافقار الاقتصادي، والعمل جارٍ على ازالة الحواجز النفسية مع بعض العرب وأنجزت المهمة تقريبا!
***
لم تعد الحرب الناعمة هي شعار المرحلة في عهد ترامب، وقد استعاض عنها، بالتعاون مع اسرائيل، ب الحرب القذرة التي تتولاها أجهزة المخابرات الملتي ناشيونال في المنطقة. وبدأت طلائعها تظهر من خلال احياء نموذج أبو نضال وأسلوبه الخاص في اغتيال الأقربين قبل الأبعدين، واشعال النيران في الدار قبل الجار! ولكن ماذا أنتجت تجربة أبو نضال صبري البنا؟! أخيرا، اذا كان ترامب قرر أن يحكم أميركا بالنيابة عن نتنياهو لا عن الشعب الأميركي الذي انتخبه، فلا بد إذن من تصحيح الأمور: يذهب نتنياهو الى البيت الأبيض ويحكم من هناك، ويذهب ترامب ليحكم… من القدس!