لو لم يكن الأمر متصلا بحكم صادر عن محكمة لبنانية لجاز لنا ان نفلت حبل السخرية من بعض ما يشنف الآذان بالتثقيف القانوني في تلك الشهادات المبهرة للمدافعين عن “حكم سماحة” الذي غدا من الشهرة في ايام ما لم ينله حكم ولا محكمة من قبل. ونعني بذلك حصرا افتقار المدافعين عن الحكم والمحكمة العسكرية في هذه المأثرة الا الى “بينة” اخفاء المخبر التي ظنوا انها تصلح لان تشكل السد المنيع امام طوفان الرفض والاستهوال للحكم. ولسنا هنا في معرض مطالعة قانونية لكننا نثير الامر من زاوية تجاهل المدافعين ما اصاب المحكمة وعبرها صدقية القضاء التي تمثله، في هذه الواقعة المفجعة عبر اصدار حكم استنفد النعوت الشنيعة على ألسنة العامة والخاصة. هذه الموجة التي لم تحط رحالها بعد ويصعب احتواؤها ما لم يجر تصويب السقطة، لا تستدعي تهليلا ولا هي السبيل الحسن والإيجابي لإعادة التصويب، ولا نردد مع من يرددون ان التشهير هو آخر الكي لان الامر يتصل اولا وأخيرا بهيئة قضائية يفترض انها “سيادية” وطنية مستقلة. والمسلك الوحيد الذي يجب ان يأخذ مساره هو المواجهة والمراجعة عبر السبل القضائية المتاحة الى حين تعديل صلاحيات او تغيير نظام او سوى ذلك مما يطرح بالوسائل الشرعية والضغوط المتمدنة علما ان بينها تظهير القرائن القاطعة على الملأ. اما ان يجري تجاهل الأثر المخيف للحكم او تسويغه بعد كل ما شهده لبنان من اهوال بحجج واهية فالامر يستدعي على الاقل سؤالين بديهيين: اولا ماذا يكون عليه موقف المدافعين لو مثل المخبر “ميلاد” امام المحكمة مع كل “العدة” التي نجح في تصيدها في اللحظة القاتلة من “المخطط والناقل” وهل كان مثول المخبر ليشفع بالمتهم ام ليقفل عليه حضورا و بالأدلة القاطعة التهمة؟ وثانيا ما هو موقف الغيارى من استناد الحكم الى “عدم كفاية الدليل” في منظومة التسجيلات المصورة التي بثتها محطات تلفزيونية عدة، وهل كانوا تاليا ليتسامحوا ويبرروا لو كان صاحب التسجيلات والاعترافات من غير الحيثية السياسية المعروفة؟
لعلهم غفلوا هم انفسهم، ولا نظن ان زمنا طويلا مر لتبرير النسيان، عن موجتهم العارمة بالامس غير البعيد على تسريبات ويكيليكس الشهيرة حول بعض ما اتصل بالمحكمة الدولية. إذاً لماذا لم نسمع صوتا واحدا من “ذاك القاطع” عن تسجيلات سماحة المدوية بذاتها؟ الا يدركون ان اللبنانيين على انقساماتهم المعتقة باتوا يجمعون، بواقـــع الخبـرة المحتـرفـة، ان كل فتنـة عنــدهم بـدأت بتسجيل مشعليها في خانة “مجهول” او “بعدم كفاية الدليل”؟