الحوار وُجِدَ ليستمرّ. وسيستمرّ كونه يحمل مسؤوليّة مهمّة قد تظهر تباعاً، وفي القابل من الأيام والاجتماعات الحواريّة محليّاً، فيما التطوّرات الخارجيّة المتّصلة بالاستحقاق الرئاسي المغيّب تتّضح معالمها واتجاهاتها، وخصوصاً على الصعيدين السوري والإيراني.
واستمرار الحوار لن يكون سدى. أو ليتبادل المتحاورون التحيّات وآخر ما يتداوله الناس من أقاويل وشائعات ونكات. بل للدخول في صلب الموضوع الرئاسي، والبحث عن المخارج والحلول التي تسهّل السبل أمام عودة الاستحقاق الرئاسي من منفاه الافتراضي إلى قاعة الجلسات في ساحة النجمة.
والرئيس نبيه برّي ليس غريباً عن المعلن وغير المعلن من عوامل العرقلة، ولا عن المعروف وغير المعروف من الأسباب الحقيقيّة لبقاء قصر بعبدا مقفلاً منذ سنة واربعة أشهر تقريباً إلى اليوم، وإلى أسابيع مقبلة. كما أنه ليس بعيداً من أحوال السياسة اللبنانيّة وأصحاب الشهوات الرئاسيّة، وداعمي العرقلة لأغراض شتّى.
إذاً، ليأخذ الجميع علماً بأن لهذا الحوار دوراً قد يتبلور خلال الاجتماعات المقبلة. وقد يظهر حجمه وتتبدّى أهميّته عندما يُنجز المطلوب منه. والمطلوب التوصّل إلى توافق على رئيس للجمهوريّة ينال رضا الداخل ودعم الخارج، عربيّاً ودوليّاً وإقليميّاً.
ما من مرجع أو مسؤول لبناني، ما من مسؤول عربي، ما من مسؤول فرنسي، بريطاني، إيطالي، روسي، أميركي، يجهل أن لدى إيران السرّ كله، والتفاصيل كلّها، والمفتاح “الأصلي” للفراغ الرئاسي، كما للحل وملء هذا الفراغ، وفتح القصر الموصد أمام مرحلة لبنانيّة جديدة.
أما وقد قيل الكثير في هذا الموضوع الشائك، فمن المفضّل الاكتفاء بالإشارة إلى أن الاتفاق النووي الذي كان للاستحقاق اللبناني دورٌ في كل مراحله قد وُلِدَ وشبّ عن الطوق، و”زمط” من براثن عتاة المتطرّفين في الحزب الجمهوري، وبات من الطبيعي أن يعود إلى دياره… مروراً بساحة النجمة.
هذا ليس كل شيء. ولا كلّ ما يحيط بالفراغ الرئاسي والشلل الذي يزنّر لبنان من الباب إلى المحراب. إلا أن محاولة البعض إبقاء ملف الزبالة قيد التداول والأخذ والردّ، من شأنها أن تشرّع الساحات مجدّداً لتجمّعات المحتجّين، ولتظاهرات المنادين بإسقاط النظام وإسقاط وهم الدولة، ووهم المؤسّسات، ووهم الاستقرار.
وربما لمآرب أخرى تصبّ في الخانة ذاتها، لكن طموحاتها أبعد وأخطر.
من هنا كانت التعليقات حول العرقلات المستجدّة تشدّد على أن عرقلة خطة الزبالة ليست بريئة، ولا هي لـ”وجه” الزبالة، بقدر ما تكشف بعض الوجوه وبعض النيّات.
ولكن، إلى أين يودّون أخذ البلد؟
ثمة مَنْ يفتّشون عن مشكلة أو عرقلة من غيمة… فوجدوها في الزبالة.