Site icon IMLebanon

إلى مي شدياق في ذكرى محاولة اغتيالها…الانحراف في مسار 14 آذار

 
كانت أسوأ فكرة صدّقناها صبيحة 15 آذار العام 2005 أنّنا نجحنا في الردّ على خطاب 8 آذار و»شكراً سوريا الأسد»، وأخطر فكرة صدقناها لاحقاً صبيحة 26 نيسان العام 2005 أن الاحتلال السوري خرج إلى الأبد من لبنان، سكرنا بمشهد المليون ونصف لبناني الذين احتشدوا للردّ على خطاب أمين عام حزب الله الذي خرج في 8 آذار ليعلن بـ»التقيّة» أنّ «الوليّ الفقيه» بات الحاكم الأوحد للبنان، وأننا دخلنا بتوقيت اغتيال الرئيس رفيق الحريري زمن الاحتلال الإيراني، وأننا بتنا حدوده على البحر الأبيض المتوسط!!

كانت اللحظة حاسمة وضيعتها على لبنان الحسابات الانتخابيّة الخاطئة، مسار 14 آذار انهار منذ أدرك اللبنانيّون بحدسهم تورّط حزب الله في اغتيال الرئيس الحريري، ومحى السيّاسيّون الذين طرحوا الأسئلة على حزب الله وأدركوا أنه من الاستحالة أن لا يكون أقلّه على علمٍ بالاغتيال والتحضير له، وبرغم رفض الحزب آنذاك لأي تحقيق دولي وتراجعه أمام ضغط الشارع إلى القبول بتحقيق عربي، منذ أصوات لا تفكّر إلا بمصلحتها الآنية وألقت أشباح «النسيج الوطني» على حزب الله المنفصل بالكامل في كيانه عن كلّ ما يمتّ بصلة للبنان، منذ تلك اللحظة بدأ تيّار 14 آذار بمعناه وصورته الشعبية اللبنانية ينحرف عن المسار الذي خطّه اللبنانيّون في ذلك النهار وكانوا في غير وارد التنازل عنه!!

وقع لبنان في «فخّ إيران» وأطبق حزب الله يده عليه منذ «التحالف الرباعي» الانتخابي، مصالح آنية لكسب نائب هنا وآخر هناك حتّمها  قانون غازي كنعان، وتوالت الضربات متنقلة تفجيرات، واغتيالات، منذ اغتيال سمير قصير كان على اللبنانيين العودة إلى الشارع ووقف مهزلة «الانتخابات» التي فرضت على لبنان بقانون الاحتلال، كان هذا الخطأ الثاني الذي ارتكبه السيّاسيّون الذين «نُصّبوا» قيادات على ذاك النهار التاريخي، لكنّ القيادات التي لحقت بالشارع «الـ 14 آذاري» اختار دور «حفّار القبور» فمشّتْ في الجنازات الواحدة تلو الأخرى، وإلى جانب تشييع الجنازات  جلست في الحكومة جنباً إلى جنبْ مع السّاعين إلى تعطيل التحقيق الدوليّ أولاً ومنع إنشاء المحكمة الدولية ثانياً، بدقّة أكثر لم تختر القيادات الجلوس مع حزب الله ـ وقدّيسيه المتورطين في دم شهداء لبنان ـ في حكومة واحدة منذ يوم انطلاق أعمال المحكمة الدوليّة بل منذ أدركوا عرقلة حزب الله وحلفائه التحقيق الدولي وقرروا منع ضم كلّ جرائم اغتيال الشهداء التي تلت اغتيال الحريري وخرج هذا إلى العلن في 12 كانون الأول 2005 يوم اغتيال جبران تويني وانسحاب وزيرين لحزب الله من الحكومة لمنع إقرار الحكومة لهذا الطلب بحجّة الحاجة إلى يومين للتشاور والدراسة!!

حانت اللحظة المؤاتية لحزب الله بعيد خدعة إعلانه «النصر الإلهي» بعد انتهاء حرب تموز العام 2006 ، وتساءلنا يومها: «لو لم يقدّم الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك ضمانته لسعد الحريري بأن لا تنفّذ إسرائيل غارات تستهدف ظهور حسن نصرالله ليخطب في ملعب الجاموس، هل كان ليخرج نصرالله من تحت الأرض ويعلن نصره الإلهي»؟!

في كلّ المرّات التي حقّق حزب الله مكاسب فيها بالقوّة وبالتهديد وبـ7 أيار وبالثلث المعطّل الظاهر في حكومة العام 2009 ـ 2010، أو المستور في حكومة تمام سلام، كان فريق 14 آذار يقدّم هذه المكاسب لحزب الله نتيجة أخطاء سياسيّة وتقديرات في غير محلّها، ألم يجعل فريق 14 آذار من ميشال عون «تسونامي» في انتخابات العام 2005، ومن وليد جنبلاط بيضة قبّان حتّى صدّق جنبلاط نفسه، فبات يأتي برئيس الحكومة وبرئيس الجمهوريّة على رغم أنه زعيم «الأقلية الخائفة»، ألم يتسبب هذا الفريق لنفسه بنفسه بخسارة لائحته في كسروان؟ لماذا انتقلت صيغة «الوحدة الوطنيّة» إلى «تحالف انتخابي»؟!

ما وصل إليه لبنان اليوم نتيجة حتميّة لهذا المسار الطويل من تراكم أخطاء فريق إذا خاصم لا يعرف كيف يخاصم ولا إذا تحالف لا يعرف كيف يتحالف، للأسف لم يبقَ من ذاك النهار إلا حزب القوات اللبنانيّة وقيادته التي لم تحد قيد أنملة عمّا صدّقه اللبنانيون عشيّة 14 آذار العام 2005، وشاهدة هي ميّ شدياق شهيدة حيّة تتجرّع الكثير من الغصص والسّخط أحياناً على ما آلت إليه الأمور، نهضت من جديد وواجهت قدراً مريراً، وانخرطت جدياً في تيار 14 آذار، لم تتخلَ عنه على رغم كلّ الخيبات، تناضل كلّ يوم من أجل لبنان، ومن أجل مسيحيّيه ومسلميه أيضاً، لتبقى أجراسنا تدقّ ومآذننا تصدح بالأذان، وعندما تعود مساءً إلى ذاتها تُدرك أن الثمن كان باهظاً جداً…

وحتى لا يظنّ قارئ ما أنّ هذه القراءة لانتكاسات فريق 14 آذار مغرقة في اتخاذ مسافة من ثوابت ذاك النهار وقضاياه أقول: هي لحظة صدق ونقد للذات وإدراك أنّ ما لم يحدث تصحيحٌ لأخطاء كثيرة فالحال في لبنان سيبقى «مشلولاً» وعاجزاً، وأنّ الرئيس الـ13 للبنان قد يكون آخر الرؤساء ونهاية الجمهوريّة والدولة، وهذه القراءة مجرّد تحيّة للفراشة الجميلة التي لم يخطر لها في أسوأ كوابيسها أنّهم سيحرقونها بنيران الحقد وسيقطعون «نصفها»، ولأن نجاتها صالحت كثيرين على «إيمانهم» فالله هو يرسم حدود الموت والحياة على رغم الخسارات البالغة والبليغة.

ميرڤت سيوفي