مَن له مصلحة في دفع البلد الى شفير الهاوية إن لم يكن الى قعرها؟!. وهل أنّ الغيارى الذين تكاتفوا، أمس، الى الإدلاء بسيل من تصريحات الإثارة والتحريض يدركون حقيقة ما تؤدّي إليه أقوالهم؟ ألا يعرف هؤلاء الوضع الدقيق الذي تجتازه البلاد في هذه المرحلة المصيرية؟ وهل فاتتهم تجارب الماضي من أنّ توتير العلاقات بين المرجعيات كانت له نتائج مؤلمة على الجميع؟
ونشكر الله أنّ الرئيس الحريري لا يزال يعتصم بالحكمة والوطنية في كلّ ما يصدر عنه من مواقف أو ما يعطيه من توجيهات في شأن مقاربة الأزمة الوزارية، وهو لم ينسَ أبداً أن يقدّم المصلحة الوطنية العليا على المصالح الحزبية والطائفية…
ومثل هذا الموقف الوطني المشهود لم يتردد البعض في أن يكون الرد عليه «دون مستوى الأخلاق والسياسة».
ماذا قال الرئيس سعد الحريري حتى تنبري جوقة الردّادين الى هذه الهجمة من اوركسترا النشاز؟
هل لأنه أكّد على أنّ علاقته بفخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «غير مرشحة للطعن والكسر»؟ وبأنها علاقة تسمو فوق الشحن القائم في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي؟
وهل لأنّه قدّم الى رئيس الجمهورية الصيغة التي يراها الأنسب لولادة حكومة الإئتلاف الوطني التي تراعي مقتضيات الوفاق المطلوب وحماية الاستقرار السياسي؟
أو لأنّه لا يقبل بتجاوز الأصول (الدستورية) في أي خطوة يقدم عليها وبالذات في مجال تأليف الحكومة، وهو الذي لم يبقَ أحدٌ لم يطالبه بأن يقدّم التشكيلة الى الرئيس… حتى إذا قدّمها الى فخامته قامت قيامة المصطادين في الماء العكر ولم تقعد… علماً أنه قال قبيل مغادرته قصر بعبدا إنّ الأمور قيد التشاور المستمر… أي انه أبقى الباب مفتوحاً أمام المزيد من الدرس والبحث والتأني تمهيداً للتوصل الى التفاهم التام… وعلماً أيضاً أنّ الرئيس عون أعلن بدوره، عبر مكتبه الإعلامي، عن أنّ باب التشاور مفتوح.
وهكذا عندما يلتقي الرئيسان المعنيان بالمسألة الحكومية كل في إطار صلاحياته على أنّ المساعي ستتواصل مع المعنيين كلهم لإعادة الأمور الى منطلقها السليم والعمل على تشكيل حكومة تتحمّل مسؤولياتها الكاملة في تحقيق الإصلاح المنشود والنهوض الاقتصادي… عندما يحصل ذلك «يلعب الفار في عبّ» المتضرّرين من أي توافق وأي إصلاح وأي إنجاز… فتثور ثائرتهم وتبدأ عمليات القدح والردح والكلام الهابط وابتكار الآراء التي ليس لها من هدف أو شأن سوى صبّ الزيت على النار، إذا كان هناك من نار، والنفخ في الرماد لإحياء النار التي تركد تحته.
الرئيس سعد الحريري تحدّث عن التضحيات المطلوبة، والرئيس نبيه بري الذي حذّر من خطورة الوضع ودقته تحدّث بدوره عن ضرورة أن يبادر «الجميع» الى التنازل.
الرئيس الحريري ضحّى كثيراً… وبات على الآخرين أن يضحّوا بدورهم…
ولن تغفر الأجيال الطالعة، ولا التاريخ سيغفر للذين يفوّتون الفرص، فكم بالحري للذين يسعون الى الخلافات وتسعير نيرانها؟!.
وليخرس أعضاء جوقة الردّادين.
ويا جماعة… اتقوا الله في لبنان.