IMLebanon

إلى الناقورة.. والباقي «على الله» و«حزبِه»!

 

إنها نهاية سعيدة للمهمّة، وانتصارٌ ديبلوماسي لديفيد ساترفيلد، في المهلة الإضافية الممنوحة له في الوساطة بين لبنان وإسرائيل، قبل تموضعه في تركيا. فمجرد إعلان الرئيس نبيه بري أنّ الحلّ لمفاوضات الترسيم مع إسرائيل قد اقترب، يعني أنّ الأمور لن تعود إلى الوراء. ومجرد تولّي رئيس المجلس الملف يشكّل ضمانةً لعدم تشكيك «حزب الله» بالموقف الرسمي في المفاوضات وتحويله أزمةً سياسية داخلية. وهو ما كان سيحصل لو وُضِع الملف في يد الرئيس سعد الحريري مثلاً…

 

في رسالة السفيرة إليزابيت ريتشارد إلى بري، أنّ الجانب الإسرائيلي وافق على تلبية معظم الشروط اللبنانية في مفاوضات الترسيم. وهكذا، صار مرتقباً بدء المفاوضات في الناقورة خلال أسابيع قليلة، بتأخير معقول عن الموعد الذي كان يتوقعه الكثير من الأوساط السياسية والإعلامية في إسرائيل، أي تموز الجاري.

 

وعلى الأرجح، ستُعقد المفاوضات وفقاً للأسس الآتية:

1- يكون أعضاء الفريق اللبناني المفاوض من التقنيين لا الديبلوماسيين، علماً أنّ هناك لجنة عسكرية مشتركة تعقد اجتماعات دورية في الناقورة بهدف حلحلة الإشكالات الطارئة.

 

2- لا يرتبط الجانب اللبناني بموعدٍ رسمي محدَّد لإنهاء المفاوضات لئلّا يقع تحت ضغط الوقت. لكنّ الجانب الأميركي يكون ضمانةً لحلحلة العقد، ما يسرِّع الوصول إلى نتائج ضمن مهلة أشهر.

 

3- تكون الأمم المتحدة هي الراعي الرسمي لعملية التفاوض، وهي تستضيف المفاوضات في مقرِّها. وأما الولايات المتحدة فتكون الضامن والوسيط.

 

4- يراعى طلب لبنان تلازم التفاوض حول الحدود براً وبحراً. وثمّة كلام في بعض الأوساط على احتمال قبول إسرائيل به وتعهدها بالتزامه، بدعم أميركي، من دون إلزامها بالتوقيع على هذا الشرط رسمياً.

 

5- هناك مساعٍ لمعالجة بعض الشروط اللبنانية المتعلقة بآليات التفاوض. وعلى الأرجح، لن يكون الأمر عائقاً أمام الانطلاق في المفاوضات بعدما جرت حلحلة المسائل الأكثر تعقيداً.

 

مصادر مطلعة تقول: اقتنع كل من الأطراف الثلاثة، لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة، بأنّ هناك مصلحة مؤكدة له في المفاوضات، وإن اختلفت منطلقات كل طرف بين تقنية وسياسية.

 

1- الجانب اللبناني: يستعجل الترسيم، كي يبدأ عملية التنقيب والاستفادة من كميات الغاز في البلوك 9، في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعانيها. وكذلك، ليوقف عمليات النهب التي يُشتبه في أنّ إسرائيل تقوم بها ضمن منطقته الاقتصادية الخالصة.

فقد وردت إلى مراجع لبنانية، أيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، معلومات مفادها أنّ إسرائيل تستولي على الغاز اللبناني عبر أنبوب جرى مدُّه في المياه الإقليمية اللبنانية المتاخمة للحدود. وقد نقل لبنان شكواه إلى الجانب الأميركي فنصحه بالتزام الهدوء وفتح الباب للمفاوضات غير المباشرة.

كما أنّ الترسيم جنوباً يسهّل على لبنان مفاوضة قبرص حول الملف النفطي أيضاً، خصوصاً في ما يتعلق بخط غاز المتوسط الذي يربط إسرائيل بأوروبا بحراً، بطول 1300 كلم. فلبنان يعتقد أنّ هذا الخط يمسّ بسيادته في بعض النقاط. كما ستتيح المفاوضات للبنان أن يتفاهم مع إسرائيل على نقاط الحدود البرية التي لطالما كانت موضعَ خلاف، وبينها 13 نقطة أساسية، أبرزها في منطقة الناقورة.

 

2- إسرائيل: تريد التفاوض مع لبنان لحسم الخلاف على الحدود البحرية، واقتطاع مساحة ربما تصل إلى 360 كيلومتراً مربعاً من أصل 860 كيلومتراً هي موضع الخلاف مع لبنان، أي توزيع المساحة بنسبة تقارب الـ 40% مقابل 60% للبنان.

لكنها في العمق تريد أن يتزحلق لبنان في مناخ تفاوضي، بتشجيع من الولايات المتحدة، ليلاقي عمليات الحوار والتقارب والتطبيع المرتقبة بين إسرائيل ودول عربية عدة في المرحلة المقبلة. وهذه الدول العربية لها موقعُها ورصيدُها في لبنان.

ولذلك، كان من شروط إسرائيل أن يكون التفاوض على المستوى الديبلوماسي وأن ترعى الولايات المتحدة هذه المفاوضات، لا الأمم المتحدة، وأن يكون الوقتُ عاملاً ضاغطاً لدفع لبنان إلى تقديم التنازلات.

 

3- الولايات المتحدة: تريد أولاً أن تكون لها الحصة الكبرى في قطاع النفط والغاز في تلك المنطقة والمتوسط عموماً. ويقول المطّلعون إنّ واشنطن تخلّت عن تمسكها بـ«خط هوف» الحدودي الملائم لإسرائيل، تجنّباً لاستفزاز الجانب اللبناني، وتركت الأمر للطرفين المعنيَّين كي يتفقا على الترسيم بالتفاوض.

ففي النهاية، مصلحة واشنطن هي في مساعدة الطرفين على إنجاح المفاوضات والتمهيد لمناخات التفاوض السياسي في مرحلة لاحقة، توازياً مع الخطوات المتوقع تحقيقها نتيجة التقدّم في مفاوضات «صفقة القرن» التي بدأت تشهد فصولها التنفيذية الأولى، بدءاً بمؤتمر المنامة، وبمشاركة وتغطية وازنة من أغنياء العرب، فيما تتصدّى لها إيران… حتى يتاح لها الدخول على الخط وقبض الأثمان.

إذاً، كل مناخات التصعيد أو التوتر التي يمكن أن تظهر بعد اليوم، من جانب 3 قوى أساسية، هي إسرائيل والولايات المتحدة وإيران، ستكون جزءاً من التمهيد لعملية التفاوض حول الحدود… وما بعد الحدود.

 

هنا، يصبح ممكناً وضع الضغوط الأميركية على إيران في السياق، ومنها زيادة العقوبات على «حزب الله» وتوسيعها لتشمل حلفاءه في لبنان، والتلويح بورقة المساعدات و«سيدر» والدول المانحة التي تمون عليها واشنطن. كما يصبح ممكناً التفكير في خلفيات الاتهام الإسرائيلي للبنان، مِن على منبر الأمم المتحدة، بتسليم أمور المرفأ والمطار إلى «حزب الله» والضغط على «اليونيفيل».

 

في المقابل، سيكون هناك تصعيد إيراني. وستدافع إيران عن مصالحها بالضغط على الحكومة اللبنانية، التي تمتلك معظمَ قرارها. وستكون لها بمثابة ورقة ضغط جديدة على خصومها في لبنان وعلى إسرائيل. وطبعاً، سيأخذ «حزب الله» على عاتقه ترجمة هذا الموقف بما يتوافر من وسائل.

 

ولكن، سيكون لبنان في موقع حرج بين القوى الضاغطة، خصوصاً إذا كان الأميركيون والإسرائيليون يرغبون في تحويلها إلى مفاوضات ذات طابع سياسي، توازي المفاوضات التي ستدور لاحقاً بين إسرائيل وأطراف عربية عدّة تحت مظلة «صفقة القرن». كما ستدخل المسألة في صراع النفوذ بين المحاور.

 

فليس صدفةً أن يتحرّك ملف المفاوضات الحدودية مع إسرائيل، بمسعى أميركي، فيما الأميركيون مستاؤون من قبول لبنان دعوة روسيا إلى مؤتمر أستانا حول الملف السوري وتعقيدات النازحين السوريين في 1 و2 آب المقبل، مقابل مقاطعته الدعوة الأميركية إلى مؤتمر المنامة حول الملف الفلسطيني وتعقيدات النازحين الفلسطينيين!

 

وهكذا، سيكون على الوفد اللبناني أن يحزم حقائبه ويمضي إلى طاولة الناقورة بأعصاب باردة. البعض سيتَّكل «على الله»… لكنّ البعض الآخر سيتَّكل على «حزبه» أيضاً.