Site icon IMLebanon

إلى العقول المخدّرة… هكذا يؤثّر السياسيّون في الناس!

 

 

ينقسم الشارع اللبناني منذ 13 يوماً بين مؤيد للثورة ورافض لها. الثوار يتمسكون بمطالبهم المحقة بينما يعتبرها البعض غير منطقية وتخدم أجندات معينة. هذا التباعد، قد يكون قادة الرأي العام مسؤولين عنه، من خلال استعمالهم تقنيات علمية تهدف الى نشر تصرفات وعقائد وأحاسيس غير عقلانية بين الشعب الواحد لمصالح خاصة.

 

تتعدد طرق السيطرة على الجماهير التي يستعملها السياسيون والاعلاميون ورجال الدين والزعماء وغيرهم، لتوجيه الناس بطريقة مختلفة عن الواقع، لمصالحهم الشخصية. هذا ليس تحليل لواقع حال البلاد، بل علم موجود ويعرف بالـ”Mass hypnosis”. تخبر الاختصاصية في الطب الداخلي والتجميلي ودراسات الطب التكميلي من تقنيات الاسترخاء والتنويم الايحائي ومعالجة الـ”Stress” الدكتورة باسكال أبو سليمان “نداء الوطن” أنّ “هذه الطريقة ليست جديدة، بل تستعمل منذ القدم لزيادة القدرة على إقناع الجماهير بطريقة غير مباشرة، والتأثير على أفكارهم وأحاسيسهم وتوجيههم. ففي العام 1895 أصدر عالم النفس الفرنسي “Gustave le bon” كتابه الذي ترجم الى لغات عدّة منها اللغة الألمانية، واستخدم القائد النازي أدولف هتلر التقنيات التي نشرت في الكتاب خلال حملاته، بمساعدة استاذ في الدراما ولا سيما في خطاباته، بهدف التأثير على مشاعر الناس. كذلك، اعتمد على عرض أفلام معينة على المجموعات لتوجيه تركيزهم وإدخالهم في حالات اللاوعي الباطني وترسيخ الايحاءات والرسائل التي يريدها في عقلهم”.

 

خطاب السلطة

 

لا يغيب هذا عن أسلوب ساسة لبنان طبعاً، ولا يقتصر استعمال العلم في “انتفاضة لبنان” فقط، بل على مرّ سنوات وعقود. تقول أبو سليمان: “لاحظنا في خطابات السياسيين المواكبة للثورة، أشخاصاً يوحون وكأنهم يقولون الحقيقة في توجيه أحاديثهم، الّا أنّ كلامهم غير منطقي. فنرى مثلاً أشخاصاً من خارج الثورة، يستعملون حججاً غير منطقية بحق الانتفاضة ويطالبون بأمور غير عقلانية، الّا أنهم مقتنعون بما يقولونه. ولهذا المشهد وغيره، تفسيرات علمية متعددة، وأساليب عدّة يستعملها قادة الرأي العام وتشترط جذب تركيز الشخص، والالتفاف على عقله الواعي لزراعة الافكار مباشرةً في عقله الباطني. مع الاشارة، الى أنه لا يمكن تغيير معتقدات اي انسان ولكن يمكن جعله يرى الحقائق بطريقة معاكسة، تغيّر ادراكه للأمور. ويعلم السياسيون كيفية استمالة عقولنا، وجعلنا نصدق كلامهم من دون اثباتات عقلانية، ولا سيما من خلال استعمالهم الأوامر المبطنة في جملهم وباستعمال لغة الجسد واشارات اليد والصوت الجهوري والنبرة التي تختلف بحسب معنى الجملة. وهذه الاساليب لا تولد مع الشخص بل إنها علوم تدرس لاهداف معينة. ولتحقيق ذلك، يجب أن تتوافر ظروف مؤاتية تخدم الموضوع ولا سيما وجود المجموعات (للاستفادة من ديناميكيتها)، واستمالة تركيزها للتشويش على العقل الواعي المحلل وادخال الحقائق المغايرة الى فكرها. كذلك، يعمل قادة الرأي العام على تحفيز عواطف ومشاعر الأشخاص (وفق اساليب محددة) لافقادهم قدرتهم على التحليل والتخطيط والتفكير بطريقة صحيحة. ويعمل العقل بحسب أنماط معينة، ويمكن اللعب على هذه النقطة لتجسيد السياسي وكأنه لا يخطئ وهو دائماً على حق. ويعتمد نمط الـ”Yes set” مثلاً، على بدء الخطاب بوقائع حقيقية ومن ثمّ تمرير أخبار مغلوطة، ويكون العقل قد اندمج مع نمط “النعم” على كل المعلومات السابق ذكرها، وبالتالي يتقبل ما تبقى منها وكأنها صحيحة. كذلك، يمكن أن يستهل السياسي خطابه بوقائع ايجابية تساعده للدخول على العقل الباطيني، وتوصيل الرسالة التي يريدها. ويتم الاعتماد على اللغة النمطية للمس مشاعر الشخص والوقوف عند حاجاته مثلاً من خلال استعمال الجمل الآتية: “نستحق العيش بحرية” و”يجب تأمين المستقبل لاولادنا”… وهذا يُغَيب التفكير العقلاني عن المستمع ويتقبل التحليل والاستنتاجات الناتجة عن النمط اللغوي”.

 

صحيح أنّ عدداً من الناس لا يعرف هذه الامور، وهذا ما يساعد السياسيين على الاستفادة من هذا العلم واستغلال جهل الشعب، لغايات شخصية. الّا أنّه يمكن أن يحمي الشخص نفسه من الوقوع تحت هذا التأثير من خلال “التمتع بالوعي والثقافة، وعدم الاستسلام وتصديق كل ما يسمعه، التشكيك والبحث عن الحقائق، والاعتماد على التحليل الشخصي لقراءة الأمور”، بحسب أبو سليمان التي ختمت قائلةً “عقلي ملكي”، والكل يجب أن يفكر انطلاقاً من هذا المبدأ، لابعاد محاولات الخضوع والتلاعب عنه”.