بين تصريح كبير سياسيي الفينيقية في لبنان بأن «شدّة القصف الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية وحدها كفيلة بإعادة الوضع الطبيعي إلى البلد» (هكذا بالحرف)، وبين صغيرهم، مروراً بكل من هَبّ ودَبّ على الشاشات من محللين عسكريين لم يخوضوا يوماً حرباً و«أجرأُهم» في العدائية للمقاومة من كان في صيدلية الجيش متابعاً شؤون الأدوية والتحاميل، ومِن باحثين سياسيين أغلبهم لم يقرأ كتاباً عن تاريخ لبنان البعيد والقريب. بين كل هؤلاء من مختلف صفوفهم الأمامية والخلفية والكامخ بينها، هناك «نداء» بات مكشوفاً حيناً، مضمَراً أحيانا، وموحَّداً في أهدافه الفينيقية.. هو ضرورة استمرار الحرب بأعنف وأدَقّ وأكمل حتى يرفع «العدوّ» – حزب لله الراية البيضاء والأيدي والأصابع استسلاماً.
مِن هؤلاء، وبأسمائهم، رأيت أنا الفقير إليه تعالى الشاعر بآلامهم ومعاناتهم، أن أوجّه لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسالة عاجلة هي الآتية:
عزيزنا، وليس عزيز زوجتك سارة فقط. نُمي إلينا عبر تحركات السفيرة الأميركية ليزا جونسون التي تفاوض رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، أن ثمة حلاً يجري التداول فيه إعلامياً بين أميركا وفرنسا ولبنان وإسرائيل وإيران (ولَوّ إيران؟) يضع حدّاً للحرب التي فتَحها حزب لله عليكم مشرِّداً سكانكم في الشمال وخالقاً وضعاً غير طبيعي في إسرائيل ولبنان والمنطقة.
لذا، نقول بكل صدق وأمانة سياديّتَين، إنّ هذا المسعى الدولي الذي لا يأخذ في اعتباره آراءنا ووجهة نظرنا الاستقلالية كفريق سيادي في لبنان، هو طعنة نجلاء لكل الكلام الذي دافعنا فيه عنكم وعن منطقكم وعن ضربات جيشكم على البيئة الحاضنة لأكبر حزب إرهابي ابتلينا فيه ليس في بلدنا فحسب بل في كل الشرق الأوسط الذي نتقاسم وإياكم الرؤية إلى حاضره ومستقبله.
حضرة رئيس الوزراء الصديق ولو لم نعرفك شخصياً بعد، ومتحرقون لهذه المعرفة الكبيرة، لا شيء ينفع مع حزب لله ومع بيئته للأسف إلّا الحديد والنار الذي تقومون بواجباتكم الشرق أوسطية فيه على أفضل وجه، وإن التوقف الآن أو في المستقبل القريب عنه من دون «إنجاز الاستسلام الكامل»، سوف نشبّهُه بالمثَل اللبناني الذي يقول «الضربة التي لا تكسر ظهرك، تقوّيك». وحزب لله على ما يبدو، وللأسف أيضاً يتصرف وكأنه لم «يأكل» تلك الضربة الموعودة، ولم يزل قويّاً وفاعلاً.. فإذا توقف إطلاق النار حالياً ، فمعنى ذلك أن الحزب سيخرج علينا غداً بإعلان نصره لا لأنه انتصر فعلاً بل لأن عناصره على الحدود منعوكم من إكمال احتلالكم، الاحتلال الذي وحده يضع خارطتكم العسكرية النجيبة على الطاولة فرْضاً وغصباً وبالقوة.
لقد وضعْنا آمالنا عليكم، وساعَدناكُم في كل تصريح أو تحليل قدّمناه على الشاشات، فإذا بكم ترمون بنا وبما قلنا عن نزع السلاح، إلى الهامش، لا بل إلى قعر الأزمة، على طريقة مثَل لبناني آخَر هو «وصّلتونا لنص البير وقطعتوا الحبلة فينا.. وَيلي.. وَيلي.. وَيلي».
نحن نخشى يا صديقنا العزيز أن تكونوا رتّبتُم ما يناسبكم وما يناسب أميركا وإيران وحزب لله في الحل المقتَرح، ونسيتم لبناننا، أي لبنانكم الذي كثيراً ما التقينا وتحالفنا من بعيد أو قريب حوله. فماذا نحن فاعلون اليوم، وسلاح حزب لله إذا ابتعد عن بلدكم حتى الليطاني، سينتقل إلينا، إلى الداخل، وسيبقى بين يديّ الحزب وبيئته الحاضنة التي لا نظن أنها ابتعدت عنه لا قليلاً ولا كثيراً، وتالياً ستكون المشكلة بل المشاكل في لبنان أكثر تعقيداً.. وعلى رأسها في القريب العاجل انتخاب رئيس للجمهورية كدنا نفترض أنكم ستفرضونه تحت النار ليكون منّا، من جماعتنا، فيكمل ما بدأتم به، لكنكم خذلتمونا، وعدنا في لبنان إلى المربّع الأول في هذا الموضوع المُلِحّ والذي كان ينبغي أن يؤشّر إلى مرحلة جديدة من «التعاون» بيننا على المستوى الرسمي لا الحزبي أو الفردي أو عن بُعد!
والمُحرِج في أوساطنا أنكم قبلتُم بأن يكون المفاوض اللبناني هو الرئيس نبيه بري. إن بري هو الوجه المدني الرسمي لحزب لله. هو قال عن نفسه إنه والسيد حسَن نصرلله «روح في جسدين»، فهل سيتكلّم أو يفكّر بشخصية الوسيط؟
إننا ولله لمحزونون، يا «بيبي»، ومرة جديدة تضعوننا أمام الحائط الذي «تقدّمونه» هدية، في النهاية ، لكل مَن تعاون معكم من جيش لحد وحدّاد إلى أصغر مؤمن بأنكم الديمقراطية الوحيدة في هذا الشرق.
عسَى أن تغيّروا «الاتجاه» لوقف النار وتكملوا الحرب بأدهى لتأدية واجب نزع السلاح جملةً وتفصيلاً. فوقف النار الذي يتحدثون عنه في العالم اليوم كأنه إنقاذ، هو فعلياً الطامّة الكبرى التي نرجو أن لا تَطُمُّنا بأيديكم وأيدي إيران (التي بدأت التعويض بأموال ضخمة على الحزب وبيئته) وأميركا.
واسْلَم للمحبّين.