خلال كانون الثاني 2003، أي قبل شهرين من غزو العراق، كتبت في صحيفة سورية مقالة عن «الدبيب الأميركي في المنطقة» وكان يفترض أن أكتب عن الضوضاء الأميركية في المنطقة.
آنذاك، مسؤول أمني من كوكب آخر، استدعى رئيس التحرير، مستغرباً ومزمجراً، كيف تقبل بنشر مقالة توهن (أو تثبط) عزيمة ألأمة؟. السؤال انطوى على تهمة خطيرة . المسألة ظلت تتفاعل الى ان اصبحت على طاولة الرئيس بشار الأسد الذي قال كلمته «ما كتب لم يكن لتخويفنا بل لتنبيهنا».
عبر هذه الثقة التي أولاني اياها، وبقيت، آمل ان يتجاوز الرئيس الأسد المواقف الزبائنية لبعض الساسة في لبنان . هؤلاء الذين يوظفون ورقة النزوح، ودون أن يدركوا تداعيات ذلك باضمحلال الدولة اللبنانية، ليكونوا جزءاً من الاوركسترا اياها والتي احترفت التهجم على دمشق …
لعل الأمر يحتاج الى صيحة استغاثة لمساعدتنا على معالجة المعضلة، وبعدما بدا جلياّ، حتى لأصحاب العيون المقفلة، أن ثمة من يسعى لتكريس النزوح لأغراض تكتيكية، أو استراتيجية، وتتعلق بلعبة الخرائط.
تزامناً، الاشارة الى النقاط الآتية:
1ـ هناك أقلام بربرية دأبت على التأجيج المذهبي من خلال الايحاء بأن النظام انما يخطط لابقاء النازحين حيث هم لتغيير البنية الديموغرافية لسوريا.
هم الذين يعلمون أن ابناء الطوائف المقصودة بالكاد يشغلون المناطق التي يتواجدون فيها. يعلمون أيضاً أن السوريين ترعرعوا على ثقافة لا مكان فيها لتلك المصطلحات الطائفية الفظة بل والقاتلة.
2ـ الحديث عن أن النظام هو المسؤول (القطعي) عن النزوح، مع انهم في الغرب يوجهون أصابعهم الى أنقرة بقيادة الخطة الخاصة بالعسكرة، بالتعاون مع عواصم عربية دفعت المليارات لازاحة النظام واحلال نظام بديل يتبع السلطنة.
3ـ هل يمكن وصف ذلك الكوكتيل العجيب من شذاذ الآفاق، الآتين من أصقاع القوقاز أو من فيافي الشمال الأفريقي، مروراً بآسيا الوسطى وحتى بالغرب الأوروبي، بـ«الثوار من أجل الحرية»، وقد رفعوا شعارات أعدتها أجهزة الاستخبارات اياها ولا تصلح حتى لاقامة جمهورية الماعز.
4ـ الثابت ان سوريا تتجه الى الفصل الأخير من الحرب، بالرغم من الموقف الملتبس لدونالد ترامب، وحيث التقاطع مع موقف بنيامين نتنياهو حول الدور الاسرائيلي في أي حل، ودائماً على حساب الأرض وعلى حساب السيادة.
5ـ قصورالطبقة السياسية في لبنان، أوفئات من هذه الطبقة، في ايجاد الحلول حتى للمسائل الصغيرة. والحال هذه، كيف لها أن تتعامل مع قضية تتعلق ببقاء لبنان أو زواله.
6ـ يوماً بعد يوم، يبدو أن «التوطين السيكولوجي» يزداد ترسخاً. هذا يمهد للتوطين الفعلي بعدما دخل مئات الآف النازحين في الدورة الاقتصادية، وحتى الدورة الاجتماعية (وغداً الدورة السياسية) اللبنانية.
7ـ ثمة شخصيات بأدمغة وحيد القرن لا بالأدمغة العابرة للأزمنة (كما وصف افريل هاريمان ونستون تشرشل)، وتسعى لاستثمار مخيمات النازحين كماعملت شخصيات أخرى، وفي حقبة أخرى، على استثمار مخيمات اللاجئين في اللعبة الداخلية. حدث الخراب الصغير والآن الخراب الكبير.
8 ـ لشخصيات اياها، بالعكاز الخشبي وبالرؤية الخشبية، ما زالت بعيدة عن أن ترى الأهوال التي مرت بها سوريا، وعن أن ترى ماذا كان يمكن أن يحل في سوريا. الفوضى الجهنمية التي لا بد أن تصل الى العمق اللبناني أم الحالة المغولية التي تأكل ما حولها؟
9 ـ من لا يعرف أن هناك جهات لبنانية رأت في علي الحجيري (ابو عجينة).. صلاح الدين الأيوبي، وراهنت على «داعش» في السلسلة الشرقية، أو بين أطلال تدمر، من أجل «تصحيح» الخلل في المعادلة الداخلية أو من أجل اقامة نظام في دمشق يدار من بيروت (!!!).
ومن لا يعرف أن هؤلاء الببغاءات لا مكان لهم حتى على رقعة الشطرنج . لكنه منطق الضفدعة التي تريد أن تكون ثوراً و…بربطة عنق فاخرة.
أعلم أن الرئيس الأسد يقرأ، ويقرأ، بالرغم من كل الأعاصير، وبالرغم من كل الزلازل . مرة أخرى، يفترض أن نتجاوز كل مثالب الماضي. رهاننا على دور لدمشق الجريحة (وتبقى دمشق) لانقاذ لبنان من الانفجار الذي ينتظرنا اذا بقي هناك من يلعب حتى في القضايا البنيوية بأيدي، وبأدمغة، الدجاج!