أن يستقيل محمد جواد ظريف يعني أن يستقيل حسن روحاني، اليوم أو غداً…
آية الله خامنئي لا يريد أن تلامس شفتاه كأس السم الذي تجرعه آية الله خميني حين قبل بوقف النار تحت وابل الصواريخ العراقية التي طاولت العمق الايراني، دون أن يكون بالامكان صدها أو الرد عليها.
من هذه اللحظة كان الانكباب العاصف على التكنولوجيا العسكرية التي حققت، في مدة قياسية، نتائج مثيرة.
لا ثقة، اطلاقاً، بـ«الشيطان الأكبر». فور أن خرج دونالد ترامب من الاتفاق النووي، بدأت الرؤوس الفولاذية داخل النظام الذي تتداخل فيه المؤسسات، والصلاحيات، على نحو سريالي، برفع شعار: وداعاً الديبلوماسية…
هؤلاء اعتبروا، منذ البداية، ألاّ مجال للوثوق بالسياسات الأميركية التي ترمي الى استيعاب ايران بقرع الطبول. الأوروبيون لا يستطيعون أن يكونوا البديل.
الدليل أن الشركات الأوروبية أوقفت مشاريعها على الأرض الايرانية، كما أقفلت المصارف الأوروبية أبوابها في وجه اي حركة تعامل، ولو على شكل حوالة لأرملة عجوز.
عملية زاهدان القريبة من الحدود الباكستانية، والتي أودت بالعشرات من أفراد الحرس الثوري ألهبت الرؤوس الفولاذية اياها.
المعلومات تحدثت عن مناقشات صاخبة. قادة الحرس الثوري اعتبروا أن السيناريو الأميركي ـ السعودي يتمثل بخطين متوازيين، ومتداخلين. الذهاب بالعقوبات الى حد التفجير الداخلي، تزامناً مع تحريك الخلايا الاستخباراتية في باكستان، وغيرها، لاثارة الفوضى الأمنية، واظهار أن النظام الذي يقاتل على أكثر من جبهة في الاقليم عاجز عن ضبط الأوضاع داخل الحدود.
القادة، بصلاحياتهم المترامية والمتشابكة، يرون أن الرئيس الأميركي أشاع المناخات السيكولوجية التي قد تفضي الى الحرب في أي لحظة. قد يفعل ذلك اذا ما لاحظ ان تقرير المحقق الخاص روبرت مولر يطبق على عنقه.
هم، أيضاً، يصفونه بنيرون القرن، أو بكاليغولا القرن. يلاحظون ان اللهجة الهادئة معه لا مجدية، بل تزيده جنوناً. لا يفهم الا بلغة القوة. حين هدد بازالة كوريا الشمالية، بادره كيم جونغ ـ أون بالتهديد بضرب أميركا. للتو، كانت الانعطافة الدراماتيكية نحو «اللقاء الغرامي» مع الزعيم الكوري، واغداق الوعود التي، كما رأينا، لم يغدقها على أقرب حلفائه.
الشاهد الآخر في المفاوضات المخملية مع حركة «طالبان». كما لو أن دونالد ترامب يعلن الاستسلام دون قيد أو شرط، بعدما عجزت حتى «أم القنابل» عن كسر الحركة, أو تفكيكها، أو وأدها.
الخيار الديبلوماسي يفترض ان يتوقف بالكامل. البيت الأبيض يغلق الباب الواحد تلو الآخر في اطار الاستراتيجية التي تضع ايران أمام هذين الاحتمالين : اما الاختناق أو… الانفجار!
التعليقات الايرانية التي تصدر عن القوى المتشددة تستعيد محاولات مد اليد الى السعودية، دون أي شكل من أشكال التجاوب. النقيض الذي حصل، ويحصل. في مؤتمر وارسو حيث كانت الحملة العشواء، وفي مؤتمر ميونيخ، وصولاً الى القمة العربية ـ الأوروبية في شرم الشيخ. الملك سلمان بن عبد العزيز دعا، من هناك، الى موقف دولي ضد ايران.
المتشددون يقولون بـ«ديبلوماسية العين الحمراء». يرون أن القول بانتظار ولاية دونالد ترامب قول ساذج، ولامنطقي، اذ من يستطيع التكهن بنتائج الانتخابات الرئاسية في أميركا، ما دامت القاعدة الترامبية على ثباتها، في حين أن الحزب الديمقراطي يفتقد المرشح الذي يمتلك ديناميات الاستقطاب. واذا كان بيرني ساندرز يمتلك مثل هذه الامكانية فان سنه الذي يلامس الثمانين قد يعمل ضده بشكل أو بآخر.
روحاني الذي يعترض على تدخل الحرس الثوري في المسائل الاقتصادية و الحيلولة دون البحث عن حلول «ليبرالية» لها، يشاطر ظريف رأيه في «ملاعبة الدب الى أن تخور قواه»، أو الى أن تتغير الظروف (الجنرال زمن). لا بد من الديبلوماسية لكي تبقى الدول الأوروبية الكبرى على موقفها الرافض لالغاء الاتفاق النووي.
في نظر الاثنين، أن الدعوة الى الانسحاب من الاتفاق، ووقف التعاطي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، اذ يزيد من المقاطعة الدولية لايران، يمكن أن يضعها أمام احتمالات خطيرة. الحجة الذهبية ستكون أمام دونالد ترامب. منع آيات الله من صناعة القنبلة النووية، ولو اقتضى ذلك اللجؤ الى… الخيار النووي.
الحرس الثوري يدحض هذا الرأي بصورة قاطعة. بعد انسحاب واشنطن من اتفاقية الصواريخ المتوسطة المدى، يبدو العالم، وكما يرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، على أبواب فوضى ميتولوجية، ما دامت آليات الضبط التي استغرق الاتفاق عليها سنوات طويلة من المفاوضات الشاقة، قد توقفت عن العمل. هنا الخوف من تداعيات كارثية على الجميع.
المتشددون يسخرون من التقارير التي يتولى البنتاغون تسريبها حول امكانية تدمير الأسطول الايراني في غضون ساعات. واثقون من أن التشكيلات البحرية التي تعتمد على الزوارق السريعة، وعلى الغواصات الصغيرة، تستطيع أن تلحق اضراراً هائلة بحاملات الطائرات، وبالبوارج، الجاثمة في المياه القريبة.
يستذكرون كيف أن جورج دبليو بوش اعتبر، في خريف 2001، أن باستطاعة الأرمادا الأميركية اجتثاث حركة «طالبان» خلال سبعة أيام. بعد سبعة عشر عاماً، ها أن رجلاً يشبهه يجلس تحت سقف واحد مع الحركة للتفاوض.
تفاعلات بنيوية حساسة في ايران. استقالة ظريف التي اذا قبلت قد (أو لابد) تعقبها استقالة روحاني، تعني أن القفازات الحريرية وضعت جانباً، لتتولى الرؤوس الفولاذية ادارة العمليات بديناميكية عسكرية، واستخباراتية، أكثر فاعلية.
الدوامـة الكبرى في الشرق الأوسط. أكثر من احتمال…