يكاد الوزير الإيراني جواد ظريف يتحوّل من وزير خارجية إلى كاتب عمود أسبوعي. إذ باتت مقالاته في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية تحظى باهتمام يفوق بكثير الاهتمام الذي تلقاه تصريحاته أمام الميكروفونات عقب الاجتماعات السياسية المألوفة مع نظرائه.
قد يعطي هذا ملمحاً عن القدرة (الذاتية) للسيد ظريف في التعبير عن أفكاره وآرائه «من دون تحضير مسبق». الأمر الذي تفوّق عليه فيه نظيره السعودي عادل الجبير الذي استطاع عبر تصريحات شفوية مباشرة «غير مسبقة الصنع» أن يكسب إعجاب كثير من المراقبين، وأن تحظى مقاطع تعليقاته المُحْكمة والهادئة بمشاهدات عالية على «يوتيوب».
هذا التفوق في الحضور الإعلامي الملفت للوزير الجبير، جعل صحيفة «وطن أمروز» الإيرانية تعقد مقارنة غاضبة بين أداء وزير الخارجية الإيراني وأداء وزير الخارجية السعودي. فهاجمت الصحيفة الإيرانية أداء وزيرها، واعتبرت أن خطابه الديبلوماسي ما زال ضعيفاً وهزيلاً أمام الجبير.
ونقلاً عن مصادر عربية مترجِمة، قالت الصحيفة: «نحن لا نريد ولا ننتظر من جواد ظريف أن تكون له مواقف جريئة وقوية كمواقف وتصريحات الجبير تجاه إيران، ولكن أيضاً لا نقبل ولن نوافق على هذه المواقف الهزلية التي تتخذها الحكومة الإيرانية في صراعنا مع السعوديين في سورية».
وتبيّن الغضب العارم للصحيفة الإيرانية حين ختمت حديثها بمقارنة بين تصريحات الجبير وتصريحات ظريف، فوصفت تصريحات الأول بأنها تشبه الأناشيد والأشعار العسكرية التي ترفع من معنويات الجنود والمقاتلين في الحروب. ثم تساءلت: «هل يستطيع جواد ظريف أن يصرّح كعادل الجبير ويرفع من معنويات جنودنا وضباطنا وجنرالاتنا الذين يسقطون يومياً للدفاع عن إيران في سورية؟».
هذا التوبيخ من الإعلام الإيراني لأداء الوزير ظريف قد يفسّر التصعيد الذي اتخذه الوزير في مقالاته النيويوركية، إذ بلغ ذروته (ما لم تكن هناك ذروة أخرى ستأتي) في المقال الأخير الذي نشره تحت عنوان: «لنخلّص العالم من الوهابية».
لا شك في أن صحيفة «وطن أمروز» والصحف الإيرانية الأخرى قد ابتهجت بهذا المقال، حتى وإن خلا من الحقائق، فالحرب الإعلامية حين تشتد لا يكون رصاصها الحقائق بل الأكاذيب.
أخذ ظريف في مقالته تلك منحى جديداً تحوّل فيه من الملاسنة السياسية إلى الملاسنة الأيديولوجية لا المذهبية. وفي توظيف صريح لمخرجات مؤتمر غروزني سيئ الذكر، يعلن ظريف في مقالته أن «الإشكالية لا تتمثل في الصراع بين السنّة والشيعة، بل بين السنّة والوهابيين».
اختار جواد ظريف أن يضيّق حلقة الصراع الإيراني، فهو ليس مع الإسلام بالطبع، كما أنه ليس مع أهل السُنّة، بل مع الوهابية فقط. ويعي ظريف، أو الذي أعدّ له المقال، الفارق بين استخدام مصطلح «الوهابية» واستخدام مصطلح «السلفية».
لعبة تضييق دائرة العدو لعبة ماكرة، وكثيراً ما تؤتي أُكُلها. وقد أشرت، في مقالات عديدة سابقة، إلى حاجتنا إلى استخدام هذه اللعبة في الصراع مع إيران بالذات، إذ يراوح الخطاب الإعلامي العربي، والخليجي خصوصاً، في تشخيص إشكاليتنا مع إيران بين مساحات دينية وقومية واسعة ومتفاوتة ومتضاربة أحياناً، فمرّةً نسميه الصراع الإسلامي- المجوسي، وأخرى الصراع العربي- الفارسي، وثالثة الصراع السنّي- الشيعي.
ما دام أن الوزير الإيراني أراد أن يتذاكى بانتهازية، ويركب موجة الإعلام الغربي والروسي والأتباع، في تحميل «الوهابية» كل ما يجرى في المنطقة من مصائب، فلنشاطره التذاكي ولنطلق نداءً دولياً ندعو فيه إلى مساندتنا لنخلّص العالم من «الخمينية» التي منذ أن جاءت قبل أربعة عقود وهي تحقن المنطقة والعالم بأسره بالمشاكل السياسية والطائفية والأيديولوجية العسكراتية.
مجدداً، نحتاج أن نؤكد، ودوماً، أن صراعنا ليس مع الفرس، ولا هو مع الشيعة، ولا هو مع الإيرانيين كافة، بل هو مع أتباع الأيديولوجية الخمينية، وكل من يقف خلفها ويؤازرها.