مطالبة بعض النواب والأحزاب لأولئك الطامحين والطامعين بالوصول إلى «قصر بعبدا»، بإعلان برنامجهم الانتخابي ليتسنى «للهيئة الناخبة» أن تبني على الشيء مقتضاه، يتعارض مع أحكام الدستور ـ أو مفاهيمه على الأقل ـ ويمس بمقام «سدة الرئاسة» في آن معاً.
فالمشترع الدستوري خصّص رئيس الجمهورية بحلف «يمين الإخلاص للأمة والدستور»، كما جاء في المادة 50 ـ دستور: «أحلف بالله العظيم أن أحترم دستور الأمة اللبنانية وقوانينها وأحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه».
ويبدو واضحاً أن مضمون هذا اليمين بمثابة استنساخ للفقرة الأولى من المادة 49 التي حددت شخصية الرئيس ومقامه ودوره والصلاحيات المنوطة بشخصه وجاء فيها: «.. هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يسهر على احترام الدستور ووحدته والمحافظة على سلامته وفقاً لأحكام الدستور…». ولذلك يمكن القول إن الصلاحيات التي أناطها المشترع برئيس الجمهورية بموجب النص، ترتبط مباشرة بما جاء في المادتين 49 و50. وهذا لا يعني أنها كل الصلاحيات المنوطة به وجاء النص عليها، لأنها يمكن أن تشكل تبايناً بالتفسير باعتبار أنها بمثابة استثناء لإطلاقية صلاحيات دستورية منوطة بسلطات أخرى، مثال ذلك ما جاء في المادة 76 ـ دستور بنصها على حق رئيس الجمهورية اقتراح تعديل الدستور، بينما المادة 18 ـ دستور منحت مجلسي النواب والوزراء حق اقتراح القوانين، والمادة 52 أولت لرئيس الجمهورية صلاحية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها ولا يمكن لمجلس الوزراء الموافقة عليها قبل ذلك، بينما المادة 65 ـ دستور تنيط بمجلس الوزراء «وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ووضع مشاريع القوانين…»، وهكذا في بقية المواد الأخرى التي حددت صلاحيات رئيس الجمهورية. فهل يمكن في مثل هذه القراءة أن يضيف برنامج «المرشح لرئاسة الجمهورية جديداً»؟
في مثل هذه الحالة يمكن القول بواحد من أمرين: إما أن يكون البرنامج بمثابة تأكيد لما جاء في المادة 49 ومضمون اليمين الدستورية، وهذا لزوم ما لا يلزم. فمن ينكث بقَسَمِه بالله العظيم يمكن أن يقول إذا طُلب منه البرنامج «جاء الفرج»، أما الأمر الآخر المتمثل بإعلان برنامج يتضمن مواقف والتزامات يلتزم بها طالب لقب «صاحب الفخامة» وخارجة عن صلاحياته، فهي دليل قاطع على وعد منه إذا ما تبوأ السدة أنه يخرق الدستور إذا ما عمل بوعوده تلك، أما إذا لم يخرق فيمكن تصنيفه عندها بإقدامه على وعد كاذب وهذه إدانة رهيبة لرئيس بلاد، ومثال ذلك يتوافر عندنا بكثرة.
هنا يمكن القول إن ما عُرف بخطاب القسم، الذي تحول عندنا إلى عُرف، يمكن أن يشكل برنامج عمل قابلاً للقول بمصداقيته إذا اكتفى «صاحب الفخامة» بتأكيد حرصه الدقيق بما جاء في المادتين 49 و50 ومتمماتهما ويترك ما نص عليه الدستور من صلاحيات لمجلس الوزراء، خصوصاً لجهة «وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات» كما جاء في المادة 65 من دستورنا. فكل ما سمعناه من برامج ووعود منذ الاستقلال حتى اليوم من «الطامحين والطامعين» بتبوء السدة أصبحت طي النسيان ولم نشهد تطبيقاً لها، هذا إذا لم نشهد ما هو عكسها تماماً.
فلنترك البرامج للنواب الذين تبرر مواقعهم إعلان برامج، ولا نسمح بالتعدي على «صلاحيتهم» تلك حتى قبل إجراء انتخاب فخامة الرئيس.