لا جديد على خط تأليف الحكومة العتيدة… والأفرقاء المعنيون يدورون في حلقة مطالب وشروط وشروط مضادة، وليس في المعطيات المتوفرة ما يؤشر الى أن الولادة ستكون في أقرب وقت ممكن، وذلك على الرغم من الدعوات الدولية المتلاحقة لإنجاز هذا الإستحقاق ليتمكن لبنان من القيام بما تمليه عليه الظروف المستجدة، وفي مقدمها مسألة النازحين السوريين، التي إحتلت موقعاً متقدماً دولياً، قارب، أو تجاوز في أهميته، مسألة التأليف الحكومي…
لا ينكر متابعون عن قرب لمجرى التطورات الدولية والإقليمية الأخيرة، إن ما آلت، وما يمكن أن تؤول إليه التطورات هذه، ما عاد يسمح في المضي بترف إضاعة الوقت في موضوع التأليف… وما عاد يسمح بالإستمرار في المراوحة والبعض يلقي مسؤولية عدم التأليف على الخارج الدولي والإقليمي والعربي؟!.
لقد عاد الرئيس المكلف سعد الحريري من الخارج، وهو يواجه عدداً من الإستحقاقات والملفات الضاغطة، من أبرزها مسألة النازحين السوريين وضرورة عودتهم الى بلدهم سوريا، «آمنين مطمئنين» وبرعاية دولية… وقد جاء الإتفاق الأميركي – الروسي في هلسنكي ليضع لبنان وجميع القوى السياسية أمام مسؤولياته الوطنية… على رغم إختلاف، أو تباين المواقف من الآلية التنفيذية..
تنقسم المواقف بين داع ومؤيد للتواصل مع الحكومة السورية، لتقديم تسهيلات لعودة هؤلاء النازحين، وبين رافض أو متحفظ ومشدد على الدور الدولي في هذا السياق… وأيا ما تصل إليه الخصارات، فإن مسألة عودة النازحين بات مطلباً دولياً وداخلياً لبنانياً وليس بإمكان لبنان الدولة والمؤسسات المعنية والأحزاب والقوى السياسية التنصل من هذه المسؤولية… ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ينتظر «خريطة الطريق» التي أعدتها وزارة الدفاع الروسية بالتنسيق مع الإدارة الأميركية والأمم المتحدة «ليبنى على الشيء مقتضاه..» مؤكداً «أهمية المهمات التي يضطلع بها الأمن العام اللبناني بالنسبة الى تسهيل عودة النازحين وتأمين خطوط العودة لكل من يطلبها على الأراضي اللبنانية، ويتطلع الى أن تتكامل هذه المهمات مع الضمانات الدولية وكل الجهود التي تتضافر في سبيل إنهاء مأساة النزوح السوري..».
يأخذ الرئيس الحريري في الإعتبار مسألة «لبننة العودة» التي تفرض تواصلاً مباشراً مع الحكومة السورية، ويبصم بالعشرة على الدور الذي يقوم به المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، بشرط توفير ضمانات دولية مشدداً على رفضه «رفضاً مطلقاً إدراج هذا الدور في خانة بعض المزايدات والسباق السياسي المحلي على مكاسب عالمية وشعبوية لا طائل منها».
واللافت، إن مسألة عودة النازحين التي إحتلت مرتبة متقدمة في الإهتمامات الدولية واللبنانية الداخلية، باتت محور انقسام بين الأفرقاء اللبنانيين لجهة آلية العودة… وكما في مسألة تأليف الحكومة، كذلك في مسألة العودة، فإن عديدين يرمون الكرة في ملعب الرئيس سعد الحريري… وهم يرون أن الرئيس المكلف هو من لديه «المهمة الأولى ليعرض صيغة الحكومة العتيدة، التي يرى أنها تستجيب لمطالب التفاهم الوطني… تماما بالنسبة لمسألة النازحين… للعبور بلبنان الى بر الأمان…
يراهن البعض على «طول بال الحريري»… واللقاء مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون – أمر بديهي – ومن حقه أن يضع عربة الحكومة الجديدة على الطريق الصح من دون أية مزايدات، على رغم مراعاته للعقد المسيحية وغير المسيحية التي تعترض التشكيل… آخداً في الإعتبار مراعاة ظروف الأفرقاء السياسيين» حتى لا يصل الى «حكومة الأمر الواقع» التي يرفضها، وهو ما يزال على تفاؤله مؤكداً إن تشكيل الحكومة بات قريباً، ومشدداً على أهمية «إحترام التوافق بين معظم المكونات والأحزاب السياسية (وغير السياسية) …» إذ «لا يمكن تشكيل حكومة على قاعدة أكثرية وأقلية… وقد جربنا هذا الأمر في الماضي ولم ينجح… ليخلص مؤكداً أمام زواره «إن التوافق هو الحل الوحيد في البلد..» خصوصاً وإن عديدين، راحوا بعيداً في توصيف الحال – مؤكدين ان استمرار الوضع على ما هو عليه يضعف ثقة اللبنانيين بأنفسهم، كما يضعف ثقة العالم والمجتمع الدولي بلبنان ونظامه السياسي المأزوم، العاجز عن الإتفاق على تشكيل حكومة وتركيب وتوازنات في داخلها…
يخلص عديدون الى وضع جملة اسئلة وتساؤلات حول ما إذا كانت الأولوية ستعطى لعودة النازحين، أم لتشكيل الحكومة، خصوصاً وإن الإتفاقات التي حصلت بين الرئيسين الأميركي والروسي، «فرصة ذهبية» قد لا تتكرر بسهولة ما يعني إن الأولوية، ضمن المعطيات الراهنة ستكون للنازحين، الأمر الذي يستدعي تفاهمات داخلية تقضي بطي صفحة السجالات الداخلية والكف عن سياسة الإبتزاز والإتفاق على آلية التعاطي مع الإستحقاقات الداهمة والمفتوحة على العديد من الإحتمالات.
كما والكف عن سياسة رمي العراقيل في كنف الخارج الدولي والإقليمي والعربي… الأمر الذي يستدعي العودة في أقرب وقت مممن، الى طاولة الحوار الوطني ولبنان مقبل على ورشات عمل كبيرة، لا يمكن مواجهتها بحكومة «الأمر الواقع» أو بحكومة «تصريف الأعمال».