من أبرز مظاهر المكابرة لدى أصحاب الحلّ والربط في السلطة، أنّهم وبالرغم من كلّ المعاناة التي يعيشها الشعب اللبناني، ما زالوا يتمسّكون بمشاريعهم ومخطّطاتهم التي دمّرت وتدمّر ما تبقّى من لبنان. ولا يتأثر هؤلاء بالأزمات المُتلاحقة التي يعيشها اللبنانيون على مختلف الصعد، إذ أنّ في مخطّطهم، وكما تعلّموا من أسيادهم، أنّ تجويع الشعوب وشغلها بكيفية تحصيل لقمة عيشها ودوائها وتأمين مصاريفها اليومية والتفتيش عن فرص العمل وغيرها من مظاهر الفقر والمعاناة، هي السبيل الوحيد للسيطرة على هؤلاء الناس ومنعهم من التركيز على المشكلة الأساس التي يعيشها لبنان، وهي عدم وجود دولة لبنانية قوية وقادرة تملك قرارها في الداخل والخارج. وقد أدّى ذلك إلى تحكّم أصحاب الحلّ والربط بمصير لبنان واللبنانيين، فدمّروا الحاضر والمستقبل، وعزلوا لبنان عن محيطه القريب وعن العالم من دون تقديم أي بديل مُقنع وفعّال، فاكتفوا بإطلاق شعارات ومعارك وهمية، ومارسوا المزيد من غسل الأدمغة كي يُقنعوا من معهم في البداية بأنّهم يفتشون عن مصلحة لبنان واللبنانيين، بينما هم في الحقيقة يواصلون ممارسة سياسة القضاء على لبنان حتى النهاية.
هذا الواقع يجب أن يدركه جميع اللبنانيين، وأن يعلموا أنّهم سيُصابون مباشرة بكلّ تداعياته السلبية، وأنه حان الوقت كي يرفضوه جملة وتفصيلاً، وأن ينتفضوا عليه وعلى المتسبّبين به، ولو كان الخيار هو المواجهة بكلّ أشكالها. فمن يرفض الإعتراف بأخطائه، ومن يرفض المخارج للأزمة مهما كانت مُكلفة، ومن يرفض أن يُخرج الناس من المعاناة، لا يستحقّ غضّ الطرف عنه وتركه يتصرّف برهينته كما يشاء. فالواجب يقضي بأن يتمّ إنهاء تصرّفاته ومخطّطاته الشاذّة، لا أن يُكافأ وأن يعوّم في كل مرّة يكون فيها مُتخبّطاً بمشاكله وخياراته فيأتي من يرمي له حبل النجاة مجّاناً، ليعود ويستخدم هذا الحبل كحبل مشنقة على رِقاب من أنقذه واللبنانيين جميعاً.
هذه اللعبة الجهنمية تتكرّر منذ عقود، ولا سيّما منذ العام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسلسلة الإغتيالات التي تلت والتطورات السياسية والأمنية، والمُحزن أنّ من دفع كلّ هذه الأثمان يواصل الدفع والخسارة في آن واحد، مُتّكلاً أنّ من بيدهم الحلّ والربط ربّما سيعودون إلى ضميرهم إزاء تفاقم الأزمات والمعاناة، غير مُدرك أنّ هؤلاء قد باعوا ليس ضميرهم فقط ولكن أنفسهم أيضاً لأولياء نعمهم في الخارج، وأنّ استرداد ما باعوه أمر مستحيل بالنسبة لهم، فواصلوا عن قناعة ومن دونها، سياسة الهروب إلى الأمام إلى الهاوية وعصور الظلام.