IMLebanon

«فجر الجرود».. إلى المربّع الأخير

ملاحم بطولية يُسطّرها الجيش في يومه الثالث من معركة «فجر الجرود». إنتصارات لا لبس فيها ولا شكوك تدور حولها. جنود مشوا في فجرهم الأول إلى جرود ظلّت لسنوات تحت رحمة الإرهاب ليقطفوا مواسم النصر ويُهدوه إلى كل لبنان، وها هم أقرب اليه من أي وقت مضى بعدما استرجعوا أكثر من ثمانين في المئة من مُجمل المساحة التي كان احتلها تنظيم «داعش» في جرود القاع ورأس بعلبك والتي تُقدّر بـ 150 كيلومتراً مربعاً.

تخضع عملية «فجر الجرود» لعمليات متعددة، منها عسكري وسياسي وحسابي وإعلامي. في الميزان العسكري، أظهر الجيش قوّة غير مسبوقة لجهة تعاطيه مع الواقع الميداني وسرعة الأداء في تنفيذ المهمات وإنجاز كل عملية بحسب الخطط الموضوعة، وهو أمر أدى في أكثر من موقع، إلى تهاوي عناصر «داعش» وفرار بعضهم باتجاه الثلث المُتبقّي من نسبة سيطرة «التنظيم» الاجمالية. أمّا في الشق السياسي، فيُمكن القول أن ما تم تحقيقه في أرض الميدان، كان معطوفاً على دعم سياسي مُطلق وحكمة غير مسبوقة لجهة تعاطي الحكومة مع المعركة حتّى قبل بدايتها، وأخذها على عاتقها كل ما يُمكن أن يفرز عنها.

في الشق الحسابي، يمكن الركون إلى جملة معطيات ميدانية، خلصت اليها معركة «فجر الجرود» في يومها الثالث. أوّلاً بعد سنوات من الدعايات المتكررة والسيناريوات المحبوكة لجهة «تعاظم» قوّة عناصر تنظيم «داعش» في الجرود اللبنانية ووصفهم بالأشداء وبأنه من الصعب هزمهم، وتصويرهم على أنهم يمتلكون قوّة عسكرية مدعومة بأعتى الأسلحة، قام الجيش خلال الأيّام الثلاثة الماضية بكسر هذا الإطار وتحطيم هذه الصورة بعد ان تمكّن من إظهار هؤلاء العناصر على حقيقتهم بعد أن قتل أربعين عنصراً تقريباً وجرح العشرات منهم. ولعلّ الأبرز في عملية الجيش، تمثّل بالحد من الخسائر البشرية على الرغم من أن الشهداء الثلاثة الذين سقطوا مع الجرحى العشرة، يُمثلون من خلال المعنويات التي خاضوا فيها هذه الحرب وإيمانهم بالقضية التي يحملونها، ضمير هذا الوطن وعزّته وقوة ومنعة جيشه.

وفي الحساب الإعلامي، يُمكن الجزم بأن قيادة الجيش أظهرت حرفية عالية المستوى في طريقة تعاطيها مع وقائع المعركة بعد أن نقلت إلى وسائل الإعلام صورة واضحة لا غبار لجرود الحرب فيها ولا نقاش او تساؤلات حول دقّتها. والاهم ان قيادة الجيش نجحت في اظهار مدى مواكبتها لأهميّة المسألة الاعلاميّة عبر اعتماد سياسة جديدة اعطت ثمارها باكراً، فحصرت من جهة المعلومات الاعلاميّة بها، وابقت الجميع على بيّنة مما يحصل في الجرود، ومن هذه الأخبار استمدت كل وسائل الاعلام المحلية والخارجية، معلوماتها وبنسبة صفر في المئة في ما يتعلّق بالخسائر البشرية في صفوف الاعلاميين. ولكل هذه الاسباب وغيرها، يُمكن القول، بأن الجيش كسب المعركة قبل أن تبدأ فعلياً، ويمكن الحديث عن انتصار معنوي وشعبي ووطني وإعلامي له قبل انتهاء عملياته.

في مجريات الميدان منذ بدء المعركة حتى يوم أمس، التزم الجيش بما خطط له في اليوم الأول واستطاع السيطرة على تلال حاكمة والسيطرة بالنار على أهم محورين للمساعدة اللوجستية لداعش. وعديد عناصر هذا «التنظيم» الذين يتوزعون على مساحة ما تبقّى من الجرود خارج سيطرة الجيش، يُقدّر بنحو 600 عنصر كانوا يتوزعون على ثلاث مجموعات: فصيل بكر شمالاً (جرد القاع)، فصيل علي في الوسط (جرد رأس بعلبك) وفصيل أسامة في الجنوب (على امتداد التلال المُشرفة على وادي الشحوط). وبحسب مصادر عسكرية، فإن الانشطار الذي حصل بين هؤلاء العناصر، جاء على خلفيّة تحقيق الجيش خرقاً كبيراً في عمق منطقة عمل «فصيل أسامة» والذي تمثل بسيطرته على مُرتفعَين أساسيّين هُمَا ضهور الخنزير ومرتفع خزعل.

آثار الهزائم بدت أمس بشكل واضح على الجماعات الإرهابية، فعدا عن حجم القتلى والجرحى في صفوفها وبعيداً عن تشتت وفرار معظم عناصرها في الثلث الاخير من مساحة سيطرتهم، فقد خلّف هؤلاء وراءهم العديد من الأسلحة والذخائر بعد أن فضّلوا النجاة بأنفسهم قبل أن تُدركهم رصاصات الجيش. ومن المعروف أن هؤلاء يخضعون لأوامر القيادة العسكرية في بلدة الجراجير السوريّة، وما انكفاؤهم صوبَ المناطق الخلفيّة التي تقعُ على خطِّ التّماسّ مع المناطق السوريّة الخاضعة لسيطرة «التنظيم»، سوى مؤشّر واضح يدل على عدم قُدرتهم على خوض القتال أمام الجيش ومن هنا جاء الخيار بالإنسحاب باتجاه الأراضي السورية.

وفي هذا الشق، أصدرت قيادة الجيش بياناً اعلنت فيه، أنه «نتيجة عمليات البحث والتفتيش في المناطق التي استعادها الجيش من تنظيم داعش الإرهابي، خصوصاً داخل المراكز والمغاور والخنادق، ضبطت وحدات الجيش كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمتفجرات والاعتدة العسكرية، تشمل: مدافع هاون ورشاشات متوسطة وثقيلة وبنادق حربية وقنابل يدوية، وقاذفات مضادّة للدروع وصواريخ مضادّة للطائرات، وعبوات ناسفة وألغاماً مضادّة للأشخاص والآليات وقذائف وذخائر من عيارات مختلفة، بالإضافة إلى كميات من أجهزة الإتصال والتصوير ومعدات عسكرية متنوعة، وأدوية ومنشطات».

وظهراً أكدت قيادة الجيش – مديرية التوجيه في بيان أن «وحدات الجيش تواصل استهداف ما تبقى من مراكز تنظيم داعش الإرهابي بالمدافع الثقيلة والطائرات، فيما تقوم وحدات الهندسة في الجيش بتنظيف المناطق المحرّرة من الألغام والعبوات والأجسام المشبوهة، وفتح الثغرات في حقول الألغام أمام الوحدات الأمامية، استعداداً لتنفيذ المرحلة الأخيرة من عملية «فجر الجرود» وفق الخطة المرسومة من قيادة الجيش». ولاحقاً أعلنت مديرية التوجيه أنها لن تعقد مؤتمراً صحافياً «حول مجريات العمليات العسكرية اليوم (أمس) في جرود رأس بعلبك والقاع».

في طبيعة أجواء المعركة، بدت الجبهة أمس هادئة نوعاً ما مقارنة مع اليومين السابقين لكن مع مواصلة مدفعية الجيش والطيران استهداف مواقع «داعش» وسقوط إصابات بشرية في صفوف عناصره. ويواصل الجيش تنظيف المواقع التي سيطر عليها من المتفجرات والعبوات التي زرعها إرهابيو «داعش» قبل فرارهم، وتثبيت مواقعه فيها. وأكدت مصادر عسكرية لـ»المستقبل» أن الجيش يُعدّ للمرحلة الأخيرة من المعركة التي تقتضي تحرير الجزء المُتبقّي، وما يُحكى عن إنتهائها في غير محله طالما ان هناك أرضاً لبنانية مُحتلة». وكشفت المصادر أن عملية القضاء على ما تبقّى من وجود لـ «داعش»، تُعتبر المرحلة الأصعب والأبرز خصوصاً لجهة الحشد في صفوف التنظيم، ومن المتوقع أن تشهد المعركة حماوة خصوصاً أن الجيش حسم أمره لاسترجاع كل شبر من أرض لبنان، ومن دون توقيت زمني محدد».