ندرك أن الملفات السياسية في البلد والأزمات، تطغى على ما عداها من قضايا، في ظل الفراغ الرئاسي وتعطل عمل المؤسسات الدستورية، وهي قد تكون من الأولويات لدى الوزراء كممثلين للقوى السياسية. ونعرف أيضاً أن ملفات كثيرة، اقتصادية واجتماعية وتربوية، الى مطالب قطاعات، باتت مرتبطة بحل الأزمة السياسية وبالتوافق بين الفرقاء. لكن، هل يمكن الاستمرار في ربط القضايا الاجتماعية ومشكلاتها، لا سيما التربوية منها، بالأزمة السياسية؟ والكلام الذي نقصده هو حصراً في التربية، وفي ملفاتها المختلفة، فوزير التربية الياس بوصعب يعرف تماماً أن المشكلات التي تعانيها قطاعات التربية وفئاتها، ليست قابلة للحل بقرار، ولا بتسويات عابرة أو مرحلية، هي مسألة تعني وزارة التربية والوزير مباشرة، قبل أن نجزم بالقول أن حركة وزير التربية وأولوياته تحدد مسار معالجة قضايا التربية المعقدة، وهي القابلة للانفجار في كل وقت.
يركز وزير التربية على ملفات كبرى، لعل البارز منها يتمثل باستيعاب التلامذة السوريين اللاجئين، فحركة اتصالاته بالجهات المانحة لا تتوقف لتأمين الدعم والتمويل اللازمين لتعليم اللاجئين واستيعاب أكبر عدد منهم. ولأن الوزير الياس بوصعب يعتبر ان حل هذه المسألة يوفر على لبنان مشكلات كبرى، الا انه لا يتنبه في المقابل، الى أن عشرات ألوف التلامذة اللبنانيين في التعليم الرسمي يعانون من هذا الأمر، بحيث إن عدداً كبيراً من المدارس الرسمية يستوعب سوريين أكثر من اللبنانيين، وصارت جودة التعليم تثير شكوكاً ونوعيته متدنية بسبب الدمج غير المدروس، بالإضافة الى التعاقد السريع مع معلمين غير مهيأين للتعليم في مواد معينة، وينقصهم التدريب، وهو أمر يرتب أعباء على التعليم الرسمي، خصوصاً اذا علمنا أن نقص التمويل قد أفرغ صناديق المدارس التي صرفت أموالها على الكتب والتسجيل.
يستدعي ذلك إعادة تحديد الأولويات لدى وزارة التربية في ملف تعليم اللاجئين تحديداً، ثم العودة الى الملفات التي تضغط على التربية وقد تؤدي الى انهيار تام في التعليم، لا سيما قضايا المعلمين ومطالبهم والامتحانات والتعليم العالي والجامعة، وملف التعاقد، والسير في خط إصلاحي يساهم في التقليل من الخسائر. وليس الموضوع يتعلق فقط بسلسلة الرواتب، انما بوضع المعلمين المنقسمين في هيئاتهم النقابية، وبوضع الحركة النقابية التعليمية التي ساهمت القوى السياسية في تفكيكها، الى القرارات التي أخذت من قيمة الشهادة اللبنانية الرسمية. هنا، ليست مهمة وزير التربية أن يقرر في شأن نقابي تعليمي داخلي. وليست وظيفته أن يتدخل في الشؤون الداخلية للجامعات أو أن يلاحق قضايا إدارية في الوزارة. لعل المطلوب أن يعلن وزير التربية خطة طوارئ تربوية، لمواجهة كل الملفات الشائكة، والعمل على وضع الأمور في نصابها. وللوزير نقول، فلتكن المكاشفة وأيضاً الوضوح، مع أطيب التمنيات!