من الطبيعي أن تُسفر نتائج هذه «التجربة» الإنتخابية الأولى من نوعها في لبنان عمّا شاهدنا أمس من إبتهاج هنا، ووجوم هناك، وإدعاء نصر غير محقق هنالك الخ…
ومن الطبيعي أيضاً أن يعكف الجميع على تحليل المعركة التي خاضها أساسياً أو رديفاً أو حليفاً. وهذا ما دأبوا عليه بحثاً عن الدلالات إن للخسارة وأسبابها، أو للفوز وعوامله…
ويبدو أنه من السابق لأوانه أن يعمل كل طرف على تحديد تحالفاته إلاّ ما كان منها مرسوماً سلفاً مثال التحالف الإنتخابي الذي توصل إليه التيار الوطني الحر وتيار المستقبل في غير منطقة حساسة.
والمستهجن الإدعاءات التي لجأ إليها بعض الخاسرين أنه جرى التلاعب في صندوقة في قلم ما أو في تسجيل النتيجة في قلم آخر. وذهب بعضهم الى توزيع شريط فيديو، وربما بضعة أشرطة يبيّـن أحدها جماعة تفتح صندوق إقتراع على قارعة الطريق العام… وهذا في منتهى السذاجة، باعتبار أن أي تلاعب لن يوصل الى نتيجة كون الصناديق تفرز في حضور ممثلي المرشحين جميعاً وهؤلاء يوقعون على النتيجة ويحتفظون بِنُسَخٍ عنها.
وإذا كان لابد من قراءة سريعة للنتائج يمكن التوصل الى أنّ الثنائي الشيعي (حزب اللّه وحركة أمل) لايزال يملك الورقة الشيعية بيد من حديد… وليس ما يشير الى أنه قد يتساهل ليس في التخلي عنها، فهذا غير وارد على الإطلاق… إنما هو لن يتساهل حتى في مجرّد رفع يده عنها ولو موقتاً. ولا شك في أن هذا الثنائي عرف كيف يجيّش الذين أقبلوا على الإقتراع من الأخوات والأخوة في الطائفة الشيعية الكريمة..
وإنه لايزال يملك «عدّة التجييش» وهو قادر على رمي هذه الورقة في وجه من يعنيه الأمر في اللحظة المناسبة… ولم يكن أكثر مناسبة من الإنتخابات النيابية العامة.
ويقتضي الإنصاف الإقرار بأنّ الرئيس سعد الحريري لايزال الرقم الوطني الصعب، ولا يزال الزعيم الأول في الطائفة السنية الكريمة، وأنّ طريقته في عقد التحالفات أظهرته زعيماً وطنياً بامتياز. وكما قال أمس، لو كان الإنتخاب على الأساس الأكثري لحقق الحريري إنجازاً في حصد المقاعد السنية كما كان في دورتي 2005 و2009 الماضيين، لأن لوائحه سجّلت أولوية الأرقام في معظم الدوائر الإنتخابية التي خاض التيار الأزرق غمار معاركها.
وأما التيار البرتقالي، الذي تحالف مع تيار المستقبل في غير دائرة فقد فاجأ الجميع بأنه استعاد عدد نوابه الحزبيين زائداً واحداً أو إثنين (نكتب قبل النتيجة الرسمية) يضاف إليهم ما لا يقل عن سبعة نواب. والتيار الوطني الحر هو أيضاً «سجل أولوية» الأرقام في دوائر عديدة (على سبيل المثال لا الحصر: جزين، بيروت الأولى، البترون، عكار…) وربما كانت كتلته هي الأكبر من دون أدنى شك، بين محازبين وسائر أعضاء نواب تكتل الإصلاح والتغيير.
لقد إنتهت الإنتخابات ونتائجها ستبقى فوق الغربال بضعة أيام، حتى إذا حلّ 21 أيار الجاري يبدأ العمل الجدّي بانتخاب النائب نبيه بري رئيساً للمجلس الجديد، لتبدأ مسيرة درب آلام صليب الحكومة المعقودة رئاستها للنائب سعد الحريري.