الحوار الفلسطيني – الاسرائيلي الرسمي توقف من زمان، وإن كان لا يزال مستمراً بين السلطة واسرائيل تحت الطاولة! ولا تزال الجهود متعثرة وخائبة للحوار في كل من ليبيا واليمن وسوريا. ودول عربية مأزومة كثيرة لا تفكر حتى بمجرد وضع طاولة للحوار بين مكوناتها المتصارعة. وطاولة الحوار الوحيدة في العالم التي أنجزت عملها وتوجته باتفاق، وأعادت الطاولة والكراسي الى المخازن، هي طاولة الحوار حول الملف النووي بين ايران ومجموعة ال ٥١. وعلى هذا، فان طاولة الحوار في المجلس النيابي التي تفتتح أعمالها اليوم في لبنان، هي الطاولة الوحيدة والفريدة في الشرق الأوسط والعالم… وهي مغامرة كبيرة ومحسوبة أقدم عليها الرئيس نبيه بري، على قاعدة أنه سيكون له أجران اذا نجحت، وأجر واحد اذا باءت بالفشل…
***
… ولكن هل يمكن أن ينجح هذا الحوار حول طاولة الرئيس بري؟ نعم، يمكن أن ينجح اذا توفرت الشروط. ومنها أولاً، اجماع الافرقاء على اعتبار أن الأزمة اللبنانية هي حالة استثنائية، ولذلك تتطلب حلاً استثنائياً، اذ ليس من المجدي اجترار حلول تقليدية وعادية لأزمة غير عادية وغير تقليدية. ومنها ثانياً، اقتناع الأفرقاء بأن المهمة الملقاة على عواتقهم هذه المرة، هي مهمة انقاذية للدولة والمجتمع في آن. ومنها ثالثاً، الضرورة الحتمية لدى الأفرقاء جميعاً للتخلي عن المواقف الخشبية التي كانت معتمدة عندهم خارج طاولة الحوار، وتعمدهم طرح حلول خشبية بهدف تعقيد الأزمة، لا حلها فعلاً، ومنها رابعاً وأخيراً، التسليم بأن المخرج الوحيد للأزمات في لبنان – التقليدية والاستثنائية – هو القاعدة الذهبية: لا غالب ولا مغلوب.
***
كيف؟ النظام المكربج بسبب سوء الأداء المتراكم بالفساد والطائفية والمذهبية، يحتاج الى حلحلة ب زيوت مبتكرة. انقسم المجتمع السياسي عمودياً الى فريقين في جدال سفسطائي حول: أيهما أولاً، انتخاب الرئيس، أم اجراء الانتخابات العامة على أساس النسبية؟ وهو جدال يوحي على الفور باشكالية الدجاجة والبيضة وأيهما أولاً؟! واذا كانت الظروف تسمح في الماضي برفاهية هذه المماحكات لاضاعة الوقت، فان الظروف الراهنة مختلفة كلياً… تعطيل الرقابة في الدولة أتاح للعبث السياسي أن يسرح على مداه. غير أن الرقابة عادت اليوم في مداها الأوسع الى الشارع والساحات، واستعادت الناس هذا الحق. وهو أمر لا يستهين به الا كل عابث قصير النظر…
***
اذا كان من المتعذر حل اشكالية الدجاجة والبيضة بالفلسفة أو بالنواميس الطبيعية، فإنه من الممكن حل مشكلة الرئاسة والنيابة بالسياسة. ومن أبسط الحلول اعطاء كل فريق ما يريده مع تنازل بسيط بحيث يشعر أنه لم ينكسر. ويمكن لطاولة الحوار ان تخرج بحل على الوجه الآتي:
يتم التوافق على أمرين متلازمين: انتخاب الرئيس أولاً، وإقرار مشروع قانون انتخاب على أساس النسبية، في وقت واحد.
لأن الظروف استثنائية يتم التوافق على أن تكون مهمة الرئيس استثنائية ولفترة استثنائية يتم خلالها اجراء الانتخابات النيابية على أساس النسبية.
على هذا يكون الرئيس شخصية تكنوقراط، ويشكل حكومة تكنوقراط مهمتها اجراء الانتخابات العامة وحل المجلس النيابي الحالي.
بعد ذلك يصبح من المتاح استئناف الحياة الدستورية العادية، وتكون مهمة العهد الجديد اجراء الاصلاحات اللازمة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، دون الحاجة الى مؤتمر تأسيسي.
***
هذا اذا أراد أهل الحوار حول الطاولة انقاذ لبنان فعلاً. وعليهم ان يدركوا ان الحالة في لبنان لا تحتمل الحلول الرمادية… ذلك ان: الثورة من أمامكم، والفوضى من ورائكم، فأين المفر؟!