هي من المرات النادرة يمر فيها لبنان بارتباك في الخيارات الوطنية المصيرية كالتي يمر بها هذه الأيام، لاسيما ما يتعلق بمسألة تحرير الجرود والمناطق الشرقية المحاذية للحدود مع سوريا من «الجماعات» الارهابية المسلحة» الموزعة بين أكثر من فصيل و»جبهة» و»تيار» وغير ذلك..
على الرغم من ان الاستعدادات للمعركة في الجرود اكتملت والجيش جاهز لهذه المهمة فإن في قناعة عديدين ان اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضور رئيس الحكومة سعد الحريري وسائر المعنيين من وزراء ومسؤولين عسكريين وأمنيين ما كان إلا ليضع قطار التحرير على السكة الصحيحة.. خصوصاً وان الاجتماع كان في قناعة الغالبية الساحقة من الافرقاء اللبنانيين، محطة فاصلة لم يعد تستوي معها الاجتهادات والتأويلات والمواقف المسبقة، والظنون وما الى ذلك.. فكان القرار في قراءة هذا البعض «حاسماً، صادقاً، جامعاً ووطنياً، بعيداً عن الحسابات والمصالح الشخصية والفئوية» في وقت راح آخرون يبالغون في التقليل من أهميته ووسمه بالغموض والضبابية وعدم الوضوح..؟! بل التشكيك فيه بحجة «رفض التنسيق» الأمر الذي طرح جملة أسئلة وتساؤلات من بينها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1- هل صحيح ان لبنان «تورط» في حربه ضد الارهاب والارهابيين المتحصنين في الجرود الشرقية ابتداءً من عرسال امتداداً الى الفاكهة ورأس بعلبك والقاع، وصولاً الى الخلايا النائمة، التي تنجح القوى الأمنية في الكشف عنها يوماً بعد يوم؟
2- هل يستطيع الجيش اللبناني، بكامل عدته وعديده وبالغطاء السياسي المحلي والخارجي ان يقوم بمهمة تحرير ما تبقى من جرود بعيداً عن التنسيق مع آخرين بفعل عامل التداخل الجغرافي، وتحديداً مع سوريا؟
3- هل صحيح ان المفاوضات مع «داعش» المحصن في جرود رأس بعلبك والقاع، يمكن ان تحصل، وهو التنظيم الذي خسر أكبر مساحات جغرافية كان يستولي عليها في العراق كما في سوريا، من دون ان يخطو خطوة واحدة باتجاه التفاوض مع من يقاتلونه ويخسر معهم يوماً بعد يوم؟ خصوصاً وأنه يحفظ بين يديه بالعسكريين اللبنانيين المختطفين منذ ثلاث سنوات؟!
4- هل صحيح أن قرار تحرير جرود عرسال من جبهة «النصرة» جاء بقرار تفرد به «حزب الله» من دون علم الادارات اللبنانية المسؤولة وموافقتها، وبغطاء ايراني – سوري، أم ان المسألة أكثر تعقيداً من ذلك؟.
5-هل كان لبنان هو المبادر لفتح الاشتباك مع هولاء، أم ان ما حصل في الـ2014 كان نتيجة قرار لضرب مؤسسة الجيش وسائر المؤسسات تمهيداً لوضع يد الإرهابيين على لبنان..
لقد حصل ما حصل، ومضى «حزب الله» في تنفيذ قراراته التي اتهم بأنه تفرد بها من دون علم او موافقة السلطات اللبنانية المسؤولة، الأمر الذي عزز من الاعتراضات الاميركية وتشديدها على عدم اعطاء الحزب هذه المشروعية الوطنية، خصوصاً وان فريقاً واسعاً من اللبنانيين لايزال يشدد على ان «لا شرعية لبنانية لسلاح حزب الله»، البعض يقول «لا شرعية بالمطلق» وآخرون يربطون هذه «الشرعية» بالاستراتيجيا الدفاعية التي يتوافق عليها اللبنانيون.. على خلفية ان «حماية اللبنانيين والحدود اللبنانية محصورة بالجيش اللبناني، وأي مواجهة، باستثناء مواجهة إسرائيل»، لا تجمع اللبنانيين، ولا سبيل الى جمعهم إلا بالعودة الى الاستراتيجية الوطنية الدفاعية» على ما يؤكد وزير الداخلية نهاد المشنوق..
كما كان متوقع، فقد دخلت الولايات المتحدة على الخط، ومن الباب العريض، وقد أصاب الوزير المشنوق يوم حذر من «احتمال ان يتعرض لبنان خلال الأشهر القليلة المقبلة الى حصار سياسي واقتصادي إقليمي ودولي، عربي وغربي، تقوده الولايات المتحدة الاميركية..» خصوصاً وقد بنت الادارة الاميركية قراراتها على قاعدة «ان جزءاً جدياً وكبيراً من الشعب اللبناني لا يوافق على أي دور عسكري لأي جهة غير الجيش اللبناني داخل الاراضي اللبنانية..» كما ان هناك «فريقا سياسياً كبيراً يرفض صيغة «الجيش والشعب والمقاومة» التي يتمسك بها «حزب الله» وحلفاؤه..».
تمعن الادارات الاميركية في التدخل في صلب الشؤون الداخلية لسائر دول العالم، ولم يكن لبنان يوماً بمنأى عن ذلك ابتداءً من خمسينات القرن الماضي وحتى اليوم.. وقد ضاعفت من هذه التدخلات عبر تصنيفات طاولت فئات لبنانية اتهمت بـ»الارهاب» لا لشيء سوى لأنها تمتلك عقيدة قتالية ترى في «إسرائيل» العدو الذي ليس لنا عدو إلاّه.. وقاتلته على مدى سنوات، وقد برز في ذلك دور «حزب الله» المدعوم اقليميا وبالتحديد من ايران، الساعية، كما روسيا الى الوصول الى المياه المتوسطية..
لم يرقَ قرار المجلس الأعلى للدفاع، الذي تكثر من حوله الاجتهادات، وهو لم يعلن رسمياً بعد عن الاجراءات والترتيبات و«ساعة الصفر» الى مستوى التأييد الاميركي إلا بشروط من بينها على سبيل المثال لا الحصر، ابعاد «حزب الله» عن المشاركة بأي عملية لتحرير ما تبقى من جرود لبنانية، وعدم التنسيق معه ولا مع الجيش السوري، خلافاً لدعوات العديد من الخبراء الذين يؤكدون على وجوب حصول هذا التنسيق معه بفعل التداخل الجغرافي وتوزع «داعش» في منطقة يتقاسمها لبنان وسوريا. وقد كشفت المندوبة الاميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي ان بلادها، ستواصل التركيز على التهديد الذي يشكله «حزب الله» جنوب لبنان وهي ستسعى لاجراء «تحسينات ملحوظة في تفويض واليونيفيل».. بغية تحسين جهودها ومنع انتشار الأسلحة غير الشرعية في جنوب لبنان، مشددة على ان الأسلحة المحظورة في منطقة عمل «اليونيفيل» هي في معظمها تابعة لارهابيي «حزب الله» وتشكل تهديداً للأمن والاستقرار في المنطقة..» خصوصاً «إسرائيل»..