إذا صحّت المعلومات القليلة التي تسربت من موسكو بأنّها وحّدت وواشنطن لائحة المنظمات الإرهابية في سوريا، فهذا يعني أنّ الباب فتح نصف فتحة على حل سياسي بعد تثبيت وقف النار وتحديد هوية حلفاء العاصمتين وأدوارهم وحصصهم. ليبدأ البحث في المرحلة الإنتقالية التي ستترجم في «جنيف 4». والى تلك المرحلة ما هو المنتظر؟
على رغم الحملات المتبادلة بين موسكو وواشنطن وحلفائهما على خلفية الخروق التي تشهدها عشرات الجبهات المفتوحة على مساحة سوريا بين طرفي الصراع ووكلائهما على الأرض، فإنّ التقارير الواردة من موسكو وواشنطن متناقضة الى حدٍّ بعيد في تقديرها لصلابة اتفاق وقف النار، إذ لا يلتقيان على إمكان الوصول الى مرحلة يتحوّل فيها هذا الإتفاق هدنة عسكرية تسمح بالبحث عن الحلول السياسية بهدوء وروية بعيداً من اصوات المدافع وهدير الطائرات.
ففي التقارير الواردة من موسكو سَيل من المعلومات تشير الى إمساك الروس بالملف السوري من جوانبه السياسية والعسكرية والديبلوماسية نيابة عن جميع الحلفاء بمن فيهم ايران، وأنها أمسكت بناصية القرار ويحق لها توجيه الإتهام الى الأميركيين بعدم قدرتهم على الإمساك بقدرات حلفائهم في سوريا وأنّ البيان الذي أصدرته وزارة الدفاع الروسية كان واضحاً بتحميلهم المسؤولية كاملة عن الخروق التي تَلت وقف النار.
وأضافت هذه التقارير أنّ الإتهام الروسي بني على معلومات دقيقة تشير الى تلاعب اميركي وعدم وجود قرار نهائي بتوحيد لوائح الإرهابيين الذين يمكن أن تتعاون موسكو وواشنطن على ضربهم لاحقاً. وهو ما أشار اليه الناطق باسم الوزارة عندما قال في اتهامه للولايات المتحدة بـ»عدم الوفاء بالتزاماتها الواردة ضمن اتفاق الهدنة في سوريا عبر عدم ممارسة الضغط على فصائل المعارضة لكي تنأى بنفسها عن الارهابيين».
وهو ما قاده الى وصف موقف الإدارة الأميركية بـ»الضبابي» والسعي الجدي لـ»فصل مسلحي المعارضة المعتدلة عن الارهابيين». وانتهى الناطق الى الإعتداد بقدرة بلاده على ضبط حلفائها بالقول: «وحده الجيش السوري يلتزم وقف النار» فيما زادت «المعارضة المعتدلة المدعومة من الولايات المتحدة عدد هجماتها على الأحياء السكنية»، مؤكداً أنّ روسيا تَفي «منذ اللحظة الاولى بالتزاماتها في خصوص نظام وقف الاعمال القتالية على الاراضي السورية».
وفي مقابل هذه النظرة الروسية، تقول المعلومات الواردة من واشنطن إنّ الحديث الروسي عن انتظام الحلفاء والتزامهم وقف النار لا يصح على الأراضي السورية كافة. وصوّب الأميركيون بقوة على العراقيل التي وضعها النظام امام قوافل المساعدات التي احتجزت في منطقة فاصلة بين الحدود التركية ومداخل حلب لجهة «معبر الكاستيلو»، وانّ الإدعاء بوجود شروط النظام السوري للإفراج عنها والسماح بدخولها لا يوجّه الى دمشق بل الى موسكو التي ادّعت بأنها هي من تقرر في هذا الشأن لا طهران ولا دمشق، ولولا التراخي الروسي لَما سمح النظام لنفسه بتجميد حركة القوافل الإنسانية.
والى هذه القراءة الأميركية، نقل عن موظف كبير في الخارجية الأميركية اعترافه بقدرة موسكو على ضبط حلفائها وصولاً الى القول «إنّ موسكو سيطرت على الساحة السورية بدلاً من ايران لتتحول الأخيرة مجرّد حليف للنظام السوري ما جعل موسكو في موقع الحليف والسيّد في آن»، ولكنّ ذلك ليس كافياً.
ولذلك قال الموظف «إنّ بلاده التزمت وما زالت ما تمّ التفاهم بشأنه مع الروس منذ اللحظة التي بوشر بها وضع مشاريع التفاهمات لوقف النار منذ فترة غير وجيزة تحصى بالأشهر. وانّ على موسكو عدم تقديم ايّ خطوة على أخرى»، كاشفاً عن النقاط الأربع التي تمّ التوصّل اليها شرط تطبيقها وفق تدرّجها، وهي تلخّص حسب الأولوية، وأولها وقف اطلاق النار والإعتداءات، وثانيها إدخال المساعدات الإنسانية، وثالثها ابتعاد المنظمات المعتدلة عن الإرهابيين وصولاً الى الخطوة الرابعة التي قالت بـ»فتح مركز تطبيق مشترك في جنيف لتقاسم المعلومات حول الاهداف المحتملة» ليبنى على أساسها قرار روسي وأميركي مشترك.
وما بين القراءتين الروسية والأميركية، بات من الواضح أنّ التفاهم بين موسكو وواشنطن سيبقى معلقاً على لائحة المنظمات الإرهابية في الدرجة الأولى وهو أمر دونه عقبات كبيرة. إذ إنّ للطرفين رؤيتين مختلفتين الى حدٍّ بعيد والتركيز الروسي على تصنيف الإرهابيين لم يتطرق حتى اللحظة الى لائحة المنظمات التي تدعم النظام وهو أمر لا يمكن تجاهله لا بالنظرة الأميركية ولا من جهة المعارضة السورية.
وفي انتظار أن يقول الروس كلمتهم في أدوار المنظمات التي نقلتها ايران الى سوريا من افغانستان والعراق وصولاً الى «حزب الله»، يمكن الحديث عن توحيد النظرة بين الدولتين، والى تلك المرحلة لن يكون هناك وقف للنار ثابت وصامد ولا حوار سياسياً أيضاً.