لا جديد على الساحة الداخلية الغارقة في الأزمات، من تعثّر الانتخابات الرئاسية، إلى شلل السلطة التشريعية، والسلطة الاجرائية ممثلة بحكومة المصلحة الوطنية في غياب أي أمل بحصول انفراجات بالنسبة إلى الحوارات الجارية بين حزب الله وتيار المستقبل، وبين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع بالرغم من إصرار هؤلاء جميعاً على مواصلة الحوار على أمل أن يُساعد ذلك على «ترييح» الساحة الداخلية بانتظار أن تحلّ كل مشاكل العالم ليأتي دور لبنان العالق في شباك لعبة الأمم الممتدة من إيران إلى المشرق العربي، والتي ما زالت نتائجها غامضة بانتظار ما ستنتهي إليه المفاوضات بين الجمهورية الإسلامية الفارسية وبين الدول الخمس زائد واحد وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي كما يبدو أخذت على عاتقها مهمة إعادة إيران إلى بيت الطاعة الدولية، وتخفيف الاحتقان في المنطقة.
فالرئيس تمام سلام ليس كما يبدو مستعجلاً لإيجاد حل للمشكلة التي طرحها رئيس التيار الوطني الحر العماد عون والمتعلقة بالتعيينات الأمنية ووقوف حزب الله إلى جانبه بقوة، لكنه يأمل في أن تنتهي قريباً ولا تؤدي إلى شلّ الحكومة، وعلى هذا الأساس أعطى مهلة قصيرة لنفسه قبل دعوة مجلس الوزراء إلى عقد جلساته العادية لدرس وإقرار المشاريع والقضايا التي تتعلق بحياة اللبنانيين والمدرجة على جدول الأعمال قبل أن يتخذ رئيس التيار الوطني الحر قراره المعروف بتعطيل الحكومة بقصد وقف حركة الدولة بشكل كامل بعد الفراغ في رئاسة الجمهورية والشلل الحاصل في مجلس النواب بقصد الابتزاز الذي يؤدي في حال عدم الاستجابة إليه إلى الوقوع في الشلل التام وبالتالي إلى دخول البلاد في أزمة النظام وإلى تحوّل الدولة الى فاشلة في نظر المجتمع الدولي وتسقط من اهتمامات الدول التي توليها إليه وتحاول مساعدته لكي يتخطى أزماته ويعيد الاعتبار إلى هذه الدولة التي تعاني من عدّة أزمات داخلية التي حملت دولاً عربية كالمملكة العربية السعودية إلى تنبيه اللبنانيين من مخاطرها على النظام القائم وحتى على الكيان إذا ما استمرت سياسة شد الحبال بين القوى الداخلية.
وانطلاقاً من هذا الواقع الذي حمل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز دعوة كل الأطراف والمكونات اللبنانية عبر الرئيس تمام سلام الذي استقبله في الأسبوع الماضي في جدّة للاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية بدلاً من استمرار المشاحنات في ما بينهم والتنازع على السلطة، لأن المنطقة كلها في حالة غليان ولبنان جزء منها، جاء الاتصال الهاتفي الذي إجراه أمس سفير المملكة علي عواض عسيري بالعماد عون والدكتور جعجع وشجعهما على الاستمرار في الحوار في ما بينهما بعدما رحب ببيان إعلان النيّات متمنياً عدم التخلي عن الحوار لأن فيه مصلحة مباشرة للبنان واللبنانيين، وقد اعتبر هذا الاتصال من السفير عسيري استكمالاً لرسالة الملك سلمان إلى كل الأطراف اللبنانية لاستعجال انتخاب رئيس توافقي على أن يُشكّل انتخابه نقطة تحوّل أساسي في مسار الأزمات التي يتخبّط بها لبنان، منذ أكثر من أربعة عشر شهراً، فضلاً عن أن هذا الاتصال هو بمثابة رسالة ثانية إلى كل القيادات اللبنانية بأن المملكة بكل ما تمثله من ثقل معنوي في العالم العربي ليست طرفاً في الأزمة اللبنانية بل هي على مسافة واحدة من الجميع وتضع كل ثقلها لكي يتجاوز لبنان كل أزماته لأنه حاجة ضرورية للمنطقة وللدول العربية، فهل يتّعظ المعطِّلون؟