Site icon IMLebanon

الى اين تتجه معركة الكتائب؟

شكّلت مجريات جلسة مجلس الوزراء التي التأمت في السراي، دليلا اضافيا الى مدى هشاشة التركيبة الحكومية ووهنها، بعد انتكاستها الجديدة بضربة انسحاب وزيري الكتائب سجعان قزي وآلان حكيم، التي تقدمت «أمن الدولة» و«أوجيرو» و«سد جنة»، في سياسة هروب الى الامام أرجئت رزمة القضايا الشائكة الى مواعيد لاحقة، وسط دعوات لتسوية الوضع معهما تمهيدا لعودتهما.

الموقف الذي لاقى ترحيبا في الأوساط الشعبية، اثار عددا من التساؤلات حول المعارك التي كان حزب الكتائب رأس حربة في شأنها في أروقة مجلس الوزراء، وبينها ملفا أمن الدولة والنفايات، الى جانب «استغراب» بعض القوى السياسية المسيحية، التي رأت فيها نوعا من المزايدة. اذ اشارت اوساط وزارية في معرض تقييم دوافع واسباب الاستقالة الكتائبية، الى ان ما قدمه «الشيخ سامي» من مبررات مبهمة غير كاف للاقدام على خطوة من هذا النوع تفوق اضرارها بأشواط اسبابها، خاصة ان الخطوة تتعارض وسياسة الكتائب الداعية الى ملء الفراغ الرئاسي واعادة الدوران لعجلة المؤسسات الدستورية، لا بل على العكس يسهم مباشرة في ضرب آخر ما تبقى من حصون الدولة ويدفعها الى مزيد من الانهيار، معتبرة ان هذا المستوى من التعاطي لا يتناسب وحجم المخاطر التي تتعرض لها البلاد وتوجب الحكمة والتبصر في اي خطوة قد يقدم عليها فريق سياسي ما في هذه المرحلة البالغة الحراجة سياسيا وامنيا واقتصاديا.

فمع ركوب وزيري الكتائب قطار الاستقالة من حكومة «المصلحة الوطنية»، اتسعت رقعة التساؤلات عن اهدافها وابعادها ومدى ارتباطها بما بينته الانتخابات البلدية من نتائج حصد فيها الكتائب حصة وازنة في المتن، فيما اشارت مصادر كتائبية، ان توقيع معاملات اي من الوزارات المستقيل وزيرها ليس قانونيا ولو ان القانون لم ينص على ذلك، فالمنطق يقول ان الاستقالة تعني ترك المنصب الوزاري وكل ما يتصل به وليس التعاطي باستنسابية وانتقائية، بحيث يتسلم المهام الوزير بالوكالة، والا فما الضمانة اذا ما اجرى الوزير المستقيل صفقة مشبوهة مثلا ووقع معاملاتها رافضا مساءلته في مجلس الوزراء ما دام مستقيلا، غامزة من قناة توقيع بعض القرارات تجنبا للتعطيل، متابعة بان رسالة الكتائب سياسية بامتياز لان ما اقدمت عليه سحب التغطية السياسية التي كانت تعطيها لفريق سياسي ضمن الحكومة، من جهة، وفي أنها لم تعد متضامنة بأي شكل مع القرارات التي تتخذها هذه الحكومة، من جهة أخرى.

وقالت المصادر ان ما تردد عن توقيع الوزيرين لكتابي استقالة من الحكومة ليس صحيحا وان الاستشارات القانونية قالت باستحالة تقديم استقالة خطية الى رئيس الحكومة في غياب رئيس الجمهورية الذي انيطت به وحده صلاحية قبول استقالة اي وزير بالتنسيق مع رئيس الحكومة، مؤكدة ان الاستقالة نهائية ولن يمارس اي من الوزيرين مهامهما الوزارية في الحكومة، رافضة الحديث عن تعطيل ذلك انه وفقا للمصادر القانونية والدستورية فان مهام الوزيرين ستنقل مباشرة الى البديلين بموجب مرسوم التشكيل، اي وزير الداخلية نهاد المشنوق والصناعة حسين الحاج حسن، عليه  فان تلك الاستقالة الخطوة تختلف في شكلها ومضمونها عن استقالة الوزير أشرف ريفي الذي تقدم باستقالته امام الشعب اللبناني في ما اقدم حزب الكتائب على ابلاغ رئيس الحكومة بالخطوة.

المصادر الكتائبية اكدت ان اطلالة النائب الجميل للتاكيد على استقالة وزراء الحزب حتمتها الاتصالات التي جرت عشية جلسة الحكومة بين السراي والرئيس امين الجميل والتي دخل عليها اكثر من طرف، من بينهم الوزير سجعان قزي الذي سوق لخيار عدم تقديم استقالة خطية ايا كانت الظروف والاستمرار بممارسة المهام المتعلقة بوزارتي العمل والاقتصاد، لاسباب دستورية ولان المصلحة العامة تقتضي ذلك خاصة في حال اصر الرئيس سلام على عدم قبولها ما قد يؤدي الى شلل حكومي في حال امتناع الوزيرين عن توقيع المراسيم، لتنتهي الليلة بابلاغ بكفيا أن الرئيس سلام سيعتبر الوزيرين المعنيين غير مستقيلين بل غائبين عن الجلسة.

في هذا الاطار اوضحت المصادر ان الاستقالة جاءت نتيجة عملية تراكمية وليس قضية محددة، اذ ان الحزب كانت له منذ فترة طويلة مواقف عدة من سلسلة ملفات، والاستقالة نهائية لا رجوع عنها، لافتة الى ان كل الوساطات والاتصالات التي سبقت قرار الاستقالة لم تجدِ نفعاً، لان رئيس الحكومة مصر على تجاهل كل المواضيع السياسية المطروحة على مجلس الوزراء بالتكافل والتضامن مع الرئيس بري لاحالتها الى هيئة الحوار الوطني، ما يلغي دور مجلس الوزراء، رافضة الربط في هذا الاطار بين مشاركة رئيس الحزب في هيئة الحوار الوطني التي ستعقد في عين التينة في 21 الجاري، وبين الاستقالة، مؤكدة حضوره، مذكرة بمقاطعته للهيئة لفترة غير وجيزة، انتهت بعودته فور زوال الاسباب، علما ان المصادر الكتائبية تتطلع باهتمام الى مضمون الاجتماع المقبل للهيئة المخصص لقانون الانتخاب، ودون ان تستبعد ان يتحوّل رفض الصيفي الى تحرّك في الشارع، وفقا لما قد يصدر عن الحكومة من مقررات في موضوع النفايات .

بين ملف أمن الدولة العائد بقوة الى التداول من بوابة قرب موعد تسريح نائب المدير العام محمد الطفيلي، وارتدادات استقالة وزيري حزب الكتائب من الحكومة وبين جديد مسلسل فضائح شبكة الانترنت غير الشرعية وعقم المعالجات في قضية سدّ جنة المعلّق على حبال النزاع الطائفي والمناطقي، يدور المشهد السياسي الداخلي بحثا عن حلول لسبحة ازمات متناسلة تكاد لا تنتهي، فيما البلاد على حافة الانهيار على أكثر من مستوى والمؤسسات تتلقى ضربات متتالية كان آخرها استهداف القطاع المصرفي بتفجير «بلوم بنك» الذي جاء نبأ الاستقالة الكتائبية امس ليغطي على بعض من تداعياته وارتداداته الخطيرة.

قد تكون الحسابات انتخابية وشعبية الا ان ما حصدته الكتائب في الانتخابات البلدية يشجعها على خوض غمار المواجهة مع الطبقة السياسية مستفيدة من نموذج اشرف ريفي والقوات اللبنانية التي آثرت البقاء خارج الحكومة، ما يعني عمليا بخروجها تحمل «الاصلاح والتغيير» مسؤولية اي قرارات تمس الوضع المسيحي. فهل يخرج الاخير ايضا؟ والى اين تتجه معركة الكتائب الجديدة؟ وماذا عن معاركه الكبيرة التي خاضها بشراسة في أروقة مجلس الوزراء؟