لا يزال المواطن الجنوبي منذ اندلاع الحرب يدفع الأثمان الباهظة إنْ في الأرواح أو على مستوى الخسائر الماديّة في المنازل والأراضي، وشتلة التبغ الجنوبيّة التي لطالما كانت أحد أساب الصمود الجنوبي هي اليوم تُعاني أكثر فأكثر. حيث من المُتوقع أنْ ينخفض الإنتاج أكثر من 50% بما يُشكل خسائر لأكثر من 16 ألف مزارع، ناهيك عن احتمال إرتفاع الخسائر في السنوات المُقبلة نتيجة استعمال إسرائيل للفوسفور الأبيض باستهدافها الأحراج والأراضي ما يُبقيها ملوثة لعدة أعوام.
رئيس نقابة مزارعي التبغ في الجنوب ونائب رئيس الإتحاد العمالي العام في لبنان المهندس حسن فقيه يُوضح أن “مع إنطلاق الأزمة في لبنان منذ أربع سنوات بدأت زراعة التبغ بالتراجع جنوباً، لكن خلال السنتيْن الماضيتيْن تم العمل على تحسين الأوضاع بناءً على جهود حثيثة من قبلنا ومن قبل إدارة حصر التبغ والتنباك. ومع إعادة التسعير بالدولار إستعادت هذه الزراعة حيويتها وبذلك بدأ المزارعون تحقيق الأرباح مُجدداً، علماً أن المزارع لا يعتمد على هذه الزراعة حصراً لتأمين مدخوله، بل هي جزء إلى جانب مصادر أخرى للدخل”.
كارثة… وخسارة كبرى
وبالنسبة إلى وضع القطاع حالياً وسط الأحداث الأمنية جنوباً، يؤكّد فقيه خلال حديثٍ مع صحيفة “نداء الوطن”، أنّه “يُواجه كارثة حقيقية لأنّ الكمية المزروعة في الجنوب، تحديداً جنوبي النهر تُشكّل أكثر من نصف الكميات المزروعة”، لافتاً إلى أنّ “هناك ثلاث مناطق أساسية لزراعة التبغ وبيْعه في لبنان هي عيترون رميش وعيتا الشعب حيث كانت كل العائلات فيها تزرع الدخان. أما هذه السنة فالزراعة قريبة من العدم، وهذه حال العديد من القرى الجنوبية التي لم تزرع ولن تُسلم أي محصول بسبب الحرب. فمن أصل 16 ألف مزارع جنوبي تقريباً، إذا سلم 5000 التبغ هذه السنة سيُعتبر المحصول جيّداً. بالتالي، من المتوّقع أن تفوق خساراتنا نصف المعدل السنوي للموسم، وأن يتمّ تسليم ما بين المليون والمليون ونصف كيلو من أصل 3 ملايين كانت تحصد سنوياً في الجنوب. هذه الكمية إن حصّلناها في ظلّ الظروف الراهنة نكون حققنا إنجازاً”.
وعلى صعيد لبنان، يُرجّح فقيه، أنّه ” من المُفترض أن تنتج عكار مليوناً ونصف المليون كيلو من التنباك ، وبالنسبة إلى البقاع فسيُسلم حصته من التبغ والمقدر أن تبلغ أيضاً مليوناً ونصف المليون كيلو”.
ويشير إلى أنّه “تسبق عملية الزراعة عمليات تحضير للتربة عبر الفلاحة والتسميد كي تبدأ العمليات الزراعية إنطلاقاً من نصف آذار. عممنا مع إدارة الريجي على منطقة السعديات والأراضي التابعة إلى جانب التعميم على المزارعين الجنوبيين شمالي النهر الزراعة بكثرة، في سعي منا لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه من الموسم في منطقة الشريط الممتدة من الخيام شرقاً وصولاً إلى الناقورة غرباً والتي تتعرَّض الآن لقصف العدوان. لكن، للأسف، إطلاق النار لم يتوقف والأهالي لم يتمكنوا من العودة إلى قراهم، بالتالي من البديهي ألا تكون الزراعة طبيعية ولا كافية”.
ويؤكد فقيه أنّ “الخسارة ضخمة وقد تكون الأرباح قريبة من الصفر هذه السنة”، والأضرار الذي تسبّبت بها القنابل الفوسفورية لا تقتصر على محاصيل التبغ بل طالت الزراعة بالإجمال من أراض ومياه جوفية وزيتون، هذا عدا عن الحرائق التي تصيب الأحراج. فنحن أمام كارثة حقيقية في الجنوب المنكوب زراعياً”.
ويكشف أن “النقابة والإتحادات بدأت تبحث جدياً مع إدارة الريجي، ضمن حواراتها المُستمرّة، ضرورة التعويض الكامل على المزارعين بثمن محاصيلهم التي تقاضوها السنة الماضية بالحدّ الأدنى. وسندير حملة حول هذه القضية مع ملاحقتها مع جميع المسؤولين المعنيين، إضافةً إلى القيام بتحرك كبير في النقابة والاتحاد لهذا الغرض”.
لمحة تاريخية
يُذكّر فقيه بأنّ “زراعة التبغ منتشرة في الجنوب تاريخياً منذ مئات السنوات، وهناك روايتين حول استقدامها إلى لبنان. فالبعض يقول إن الجيش الذي كان يخدم لدى الأتراك نقلها من المناطق التركية، أو قد يكون المهاجرون اللبنانيون الأُول الذين ذهبوا إلى أميركا اللاتينية بدأوا هذه الزراعة في لبنان. وطبعاً هي زراعة حصرية كانت شركة “الريجي” الفرنسية تحظّر بيعها الحر. الرغبة في تنمية هذه الزراعة كانت مشروطة بالحصول على رخص وتسليم المحاصيل في لبنان وسوريا للريجي حصراً. الجنوب اللبناني إشتهر بصنف تبغ شرقي ممتاز جدّاً هو “سعدي ستة”، وبدأ يدخل في صناعة السيجارة الأجنبية ذات النكهة الشرقية”، لافتاً إلى أنّ “مناطق زراعة التبغ تترواح على علو ما بين 300 و800 متر عن سطح البحر، وهي من السلالة الباذنجانية. تعدّ هذه الزراعة بعلية، لا تروى. أما تقنياتها فبدائية، غالباً ما تهتم بها العائلات وفق رعاية خاصة خلال فصل الصيف بعد زراعتها في نهاية فصل الشتاء”.