من لا يعرف تاريخ هذا البلد وتأسيسه في العام 1943 لا يمكنه أن يدرك لماذا ذهب الرئيس سعد الحريري، ليل أمس، الى بنشعي.
ففي العودة الى مرحلة التأسيس نذكر أنّ لبنان قام بالاتفاق بين الزعيم السنّي رياض الصلح والزعيم الماروني بشارة الخوري… وكانت مرحلة تأسيسية وطنية ميثاقية رائعة.
استمرت هذه الحال حتى العام 1958 يوم وقع الخلاف بين رئيس الجمهورية كميل شمعون وبين المسلمين الذين كانوا يطالبون بالوحدة مع سوريا ومصر، فيما كان شمعون يطمح الى تمديد ولايته ويعارض انضمام لبنان الى «الجمهورية العربية المتحدة».
مرّت فترة من الراحة في عهد الرئيس فؤاد شهاب، أمّا في عهد الرئيس شارل حلو فارتفعت النغمات: رئيس الجمهورية يحكم وليس مسؤولاً، ورئيس الحكومة لا يحكم ولكنه مسؤول! وبدأ التململ.
وفي العام 1969 كُلّف رشيد كرامي تشكيل الحكومة فأصرّ على عدم التأليف إلاّ بعد توقيع «اتفاق القاهرة»… فبقي لبنان تسعة أشهر تحت التكليف من دون التأليف الى أن وقّع قائد الجيش العماد اميل بستاني «اتفاق القاهرة»… هذا الاتفاق الذي كان الأسوأ في تاريخ لبنان الحديث.
في مطلع السبعينات كان الحلف الثلاثي في عزّه (بين كميل شمعون وبيار الجميّل وريمون إدّة) وتوافق أركانه الثلاثة على سليمان فرنجية رئيساً، وكان أوّل رئيس ينتخب لبنانياً، مع الملاحظة أنّ صائب سلام كان في حلف واحد مع فرنجية.
وفي العام 1973 تمّت العملية الاسرائيلية في بيروت التي أسفرت عن اغتيال القياديين الفلسطينيين الثلاثة كمال ناصر وكمال عدوان ومحمد يوسف النجار، على الاثر طالب رئيس الوزراء صائب سلام بإقالة قائد الجيش فرفض فرنجية تحميل القائد المسؤولية وإقالته لأنّ العملية الاسرائيلية جرت في الداخل وليست في الخارج، فكان أن استقال سلام وكان القرار خاطئاً.
أوّل احتلال إسرائيلي للأراضي اللبنانية كان في العام 1978 وأسفر عن إقامة دولة سعد حداد في الشريط الحدودي.
وفي العام 1982، كان الفلسطينيون قد انتشروا في العاصمة والمناطق، ورفعوا شعار «طريق فلسطين تمر في جونيه»، كما كانوا طرفاً في الحرب الاهلية… اجتاحت اسرائيل الجنوب وحاصرت القصر الرئاسي في بعبدا ودخلت العاصمة بيروت…
ثم كان «اتفاق الطائف»…
ومن ثم جاء الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتولّى رئاسة الوزراء وكان على تفاهم مع الياس الهراوي حول مختلف الأمور بما فيها إعادة الإعمار… ونعم لبنان جراء هذا التفاهم بمرحلة آمنة ومزدهرة.
إلى أن جاء النحس يوم انتخب اميل لحود رئيساً، وهو لا علاقة له بالسياسة ولا بالجيش… ووقع الخلاف بينه وبين الحريري… من اليوم الأوّل… وبلغ الخلاف ذروته عندما تجاوز لحود الدستور في الاستشارات الإلزامية التي أجراها لتشكيل الحكومة… يومها ترك فريق من النواب موقفهم للحود ليتصرّف كما يشاء فقال للحريري إنّه يجيّر له تلك الأصوات ولكن الحريري رفض واعتبر أنّ الاستشارات الملزمة لا يتخلى فيها النواب عن رأيهم ولا يمكن لرئيس الجمهورية أن يجيّر تلك الأصوات فهذه مخالفة للدستور(…).
واليوم لا شك في أنّ الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون هما زعيمان كبيران… والمرحلة تقتضي زعماء تاريخيين، والاتفاق المتوقع أن يتوصلا إليه قريباً من شأنه أن ينعكس إيجاباً على لبنان الذي سيعود الى عهده السابق كما في مرحلة التأسيس.
عوني الكعكي