أخيراً حلّت الأزمة الناشئة حول جلسة تشريع الضرورة، والتي اعطيت خطأ صبغة صدام اسلامي – مسيحي، في حين انها اندرجت اساساً في اطار الخلافات السياسية التي لا طابع طائفياً لها، وفي اطار القراءات السياسية المتباينة لما هو ضروري وما هو غير ضروري. واذا كانت من قراءة واقعية للحل الذي تم اجتراحه بالأمس، فإنه يؤكد على ان القرار بالمحافظة على تفاهمات “التهدئة ” واستطراداً الابقاء على الحكومة، وتحاشي انزلاق الوضع اللبناني نحو منحدرات خطرة في المرحلة الحالية لا يزال قائما. في هذا الاطار لا بد من التذكير ان قرار “التهدئة ” القائم والخاضع لـ”حراسة” الأطراف المحلية المقررة لا يزال عنوان المرحلة، ولن يتغير قبل ان تتبلور صورة الوضع في سوريا. بمعنى آخر، الوضع في لبنان على علاته ومساوئه مجمّد حتى اشعار آخر. لا توجد قوة راغبة في تفجير البلد، مما يعني ان السقوف محددة لكل ازمة، اقله في المدى المنظور.
بناء على ما تقدم، ما كان للاعتراض الثنائي المسيحي (التيار الوطني الحر – القوات اللبنانية) ان يصل الى نقطة اللارجوع لاسباب عدة، اولها ان “التهدئة” اصلب مما يُعتقد، وثانيها ان الثنائي يدرك حدود الاعتراض حق المعرفة واي منهما مستعد لأن يراهن على تقارب تكتيكي مستجد لاسباب تتعلق بالتنافس على نبض الشارع المسيحي على حساب تحالفات استراتيجية عميقة الجذور تبدأ في لبنان وتصل الى عاصمتي القرار الاقليميتين الكبريين اي طهران والرياض. وثالثها معرفتهما ان عمق الأحقاد بين قيادتي الشارعين السني والشيعي كبير للغاية، الى حد يحول “التهدئة ” الى تسوية حقيقية، وخصوصا ان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله يدعو دائما كما فعل البارحة في خطابه بمناسبة “يوم شهيد المقاومة” الى “تسوية شاملة ” اي الى مؤتمر تأسيسي مرفوض تماماً من الفريق الآخر.
في الأساس كانت حدود ما سمي جوازاً بـ”الانتفاضة المسيحية” استمرار الانقسام العمودي الكبير بين ٨ و١٤ آذار. كلا عون وجعجع ليسا بوارد الانقلاب على تحالفاتهما الأساسية، وكلاهما غير قادر على تجاوز الأحقاد العميقة التي تفرق بينهما، وكلاهما غير قادر على الثقة بالآخر الى حد الاقدام على قلب الطاولة. وفي النهاية يبقى عون حيث هو، ويبقى جعجع حيث هو أيضاً، خلافهما اساسي حول رئاسة الجمهورية بحيث ان تقاربهما لن يصل الى حد قبول احدهما بالآخر في رئاسة الجمهورية.
اذاً لقد هدأت العاصفة، وحقيقة ما كانت تستدعي كل هذا التوتر. ولكن ما يؤسف له ان يكون بند انتخاب رئيس الجمهورية قد تراجع من الناحية العملية. هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها: لقد سلّمت كل الأطراف بالأمر الواقع الناجم عن تعطيل الثنائي (“حزب الله” – “التيار الوطني الحر”) انتخاب رئيس جديد لرئاسة الجمهورية على قاعدة ان مفاتيح الرئاسة ليست في لبنان.
اليوم تعكس جلسة “تشريع الضرورة” استمرار “التهدئة” في المدى المنظور لا أكثر ولا أقل!