Site icon IMLebanon

الانتفاضة اليوم تتجاوز قطوع «السياسة».. إلى حين؟

 

أسئلة كثيرة ترافق الحدث الشعبي المقرر اليوم مركزيا في وسط بيروت وفي بعض المناطق والذي يعتبر الأكبر من نوعه منذ تراجع المد الشعبي مع تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب وخاصة مع هبوب وباء «كورونا» على البلاد الذي فرض الانكفاء الذاتي للمنتفضين.

 

يتعلق معظم تلك الاسئلة حول الشعارات التي دعا إليها البعض حول قضية السلاح وذهب آخرون الى إثارة مواضيع أخرى مثل المخطوفين في سوريا، حتى أن تباينات ظهرت بين المجموعات الحراكية حول قضايا كانت حتى أمد قريب موحِدة كالدعوة الى حكومة مستقلين أو إجراء الانتخابات النيابية المبكرة قبل الاتفاق على قانون حديث للانتخابات وهو ما لا يحقق المطلوب كون التغيير عبر إجراء الانتخابات على أساس القانون الحالي لن تعني الكثير.

 

حضور أحزاب الحكم

 

على أن التبدل في المشهد يعود الى دخول عامل الأحزاب والتيارات السياسية في الحكم بقوة على المشهد، وبدا حضور حزب «الكتائب» منفراً لكثيرين في الحراك الشعبي، برغم اعتبار الحزب نفسه بعيدا عن أركان السلطة السياسية ومحاولته النأي بالنفس عن الكارثة الاقتصادية في البلاد والتأكيد أنه كان طيلة الفترة الماضية في صفوف المعارضة.

 

لكن يبدو أن القضية الخلافية حول مسألة السلاح قد تم تضخيمها كثيراً. فالمجموعات التي دعت إليها كمجموعة «128» التي تحركت أمام قصر العدل قبل أيام وفي طرابلس، والتي تعتبر السلاح غير شرعي وتدعو الى نزعه كونه يغطي الفساد وتطالب بتطبيق القرار 1559، لا حيثية شعبية جديّة لها، كما أن العديد ممن رفعوا هذا الشعار اختفوا عن الساحة ولكن قد يسجل لهم حضور عبر شعارات تحاكي مطالبهم.

 

وبرغم معارضة شرائح في تحرك اليوم من حيث المبدأ لسلاح «حزب الله» كـ»الكتائب» و»سبعة» وغيرهم، إلا أنها تؤكد عدم رفعها هذا الشعار وتركز على الانتخابات المبكرة، وهي الطريقة الأمثل للتغيير من دون استبعاد مطلب حكومة مستقلين حقيقية تُحضر للانتخابات لتغيير الطبقة السياسية بأكملها.

 

ويشير الداعون الى تظاهرة اليوم الى عملية مشبوهة تقف وراء التركيز على مطلب نزع السلاح، ولا يستبعدون تورط قوى في السلطة فيها لتقسيم الحراك على أمل ضربه عبر تحويل التحركات من مطلبية الى سياسية بعد شعورها باهتزاز الأرض تحت أقدامها.

 

وبالنسبة الى «الحزب الشيوعي» ومجموعات قريبة منه والذين يعدون العمود الفقري في الحراك الذي يأخذ في أحيان كثيرة الطابع اليساري، فإنهم غير معنيين بالتحرك ولن يشاركوا به، ولكن من دون إعلان رسمي لذلك وهو ما سيتمظهر في حراك الجنوب خاصة. وإضافة الى تحفظها على شعارات رفعت في الأيام الماضية، فإن «الشيوعي» مثلا يرفض أن يكون ملحقاً بالتحرك وهو الذي يعتبر نفسه أب المعارضة الشعبية في مراحل طويلة ماضية لاندلاع انتفاضة 17 تشرين تعود لعقود. ويذهب البعض في هذه التيارات الى اعتبار ما يحدث «ثورة مضادة» كونه يعطي زخما للأحزاب الطائفية ويشد عصبها لا بل يدفع في اتجاه تقسيم الحراك الى شارعين وربما الى شوارع متعددة، ما يدفع تلك القوى الى مقاطعة الحدث وهو ما يحدث للمرة الأولى منذ بدء التحركات.

 

وترى بعض المجموعات أنها مستمرة في النشاط وليست معنية بدعوات جديدة مثل «المرصد الشعبي لمحاربة الفساد» و»بيروت مدينتي». على أن ما حصل دفع بمجموعات صغرى لكن مؤثرة إلى مقاطعة تحرك اليوم مثل «شباب المصرف» و»الحركة الشبابية للتغيير» و»الشعب يريد إصلاح النظام» و»طلعت ريحتكم»، بينما ستشارك مجموعات أخرى في تظاهرة اليوم لكن مع إبقاء مسافة والتميّز عن أصحاب الشعارات المثيرة للجدل كـ»17 تشرين» كـ»لحقي» و»أنا خط أحمر» و»أوعا» ومجموعات ستقدم من جل الديب وطرابلس وعكار وغيرها من المناطق. وما يهم تلك المجموعات اليوم هو الإنقاذ الإقتصادي وليس أي شأن آخر وعدم العودة الى الماضي عبر الانقسام بين معسكري «8» و»14» آذار.

 

غياب التنسيق

 

لكن ما لا يزال يعيب المجموعات برمتها هو غياب تنسيق جدي بينها، علما أن الغالبية العظمى من الذين استجابوا لتحركات الأشهر الماضية كانت من المستقلين والشباب المُنطلق عبر دعوات وسائل التواصل الاجتماعي. ويبدو أن الإطار التنظيمي الذي نادى به البعض في الانتفاضة لم يُفاتح به الآخرون رسمياً، ولا مجلس موحد أو حتى صيغة مشتركة يمكن للمجموعات كاملة التحرك عبرها.

 

وهذه الثغرة قد تؤدي الى سلبيات غير منتظرة. ويشير البعض الى أن رفع شعارات مستفزة للطرف الآخر قد يدفع الى مشهد شبيه بغزوة ساحة الشهداء التي سيتحمل أصحاب الدعوات «السياسية» مسؤوليتها. وعلى هذا الصعيد، علم أن دعوات انطلقت في محيط ساحة الشهداء لعدم تكرار هذا المشهد من دون استبعاد عدم تقيّد البعض فيها في مشهد مألوف حصل سابقاً.

 

في المقابل، تم التداول في موضوع اتخاذ الاحتجاجات السلمية طابعاً عنيفاً، وهو ما حصل أكثر من مرة قبل أشهر من قبل مجموعات في الحراك من بيروت والشمال في وسط المدينة وغيرها من المناطق.

 

لكن الحريصين على تحرك اليوم يلفتون الى أنه من الواجب الحفاظ على الطابع السلمي المُخطط له. ويستدل من طبيعة وزخم الدعوات للحدث أنه سيكوع غفيراً، ويبدو أنه بات على الأصيلين في الحراك التعايش مع دخول أحزاب في الحكم في زخم الاحتجاجات. وهو الأمر الذي يتعلق بـ»الكتائب» و»تيار المستقبل» و»القوات اللبنانية» من دون ظهور مباشر للأخيرة، وبالمنتديات المؤيدة لنجل الرئيس الراحل رفيق الحريري، بهاء، وغيرهم، وطبعاً لكل منهم أجندته.

 

إجماع ضد الحكومة

 

على أن هذه الثغرات لا تلغي الرأي المُوحد حول مواجهة الحكومة، وهو رأي يستقر على المجموعات التي ستنزل الى الشارع وليس بأخرى اختارت الانكفاء قبل أشهر بسبب رغبتها في توفير الفرصة للحكومة للعمل.

 

فالمجموعات التي ستنزل، بفئاتها المختلفة، ترى بانتهاء فترة السماح لهذه الحكومة التي فشلت في معالجة ملف واحد للفساد سواء «لعجز رئيس حكومتها أو لعدم قدرته» بعد أن أوهمت اللبنانيين بالعمل وبالأمان الكاذب وادعت تحقيق 97 في المئة مما وعدت به.

 

في كل الأحوال، قد تضع تحركات اليوم لَبنة كرة ثلج ستكبر مع الأيام في ظل وضع اقتصادي واجتماعي مزري.