(….) وفي اليوم الثامن صرّح نعمة طعمة. يتطلب الأمر ثمانية أيام ــ عدّا ونقداً ــ كي يجد طعمة حجة لنشر بيان سياسي جديد على المواقع الالكترونية. منذ شهرين حتى يوم أول من أمس، يبدأ سعادته كل بيان بالحثّ على الابتعاد عن الانقسامات السياسية ويختمه مذكراً إيانا بـ»شغف السعودية والملك عبدالله» بلبنان وشعبه و»باعه» الطويل في «مؤازرة اللبنانيين ودعمهم».
وبما أن طعمة، أولاً وأخيراً من صنع المختارة سياسياً، فهو غالباً ما يحرص على إطلاع اللبنانيين على ما يدور في رأس النائب وليد جنبلاط من حب وخير للسياسيين والمواطنين… وللسعودية طبعاً!
في العادة، لا ينتظر طعمة مناسبة لذكر السعودية في بياناته الأسبوعية، بل غالباً ما تتغلب عواطفه السعودية على هوى المختارة، رغم محاولاته الموازنة بينهما في «قصائده». ويصعب في هذا السياق الوقوع على وزير أو نائب سعودي يتفوق على النائب الجنبلاطي في طريقة تلحين كلمات الغزل والتطبيل لإنجازات الملك السعودي «أطال الله عمره». رغم ذلك، يمكن لطعمة أن يكون خفيف الظل أحياناً، فيؤكد لنا أن «ما يصدر حول تدخلات للرياض في الشأن الرئاسي ودعمها مرشحاً ورفضها آخر لا يرتبط بالواقع بصلة، فالسعودية لا تتدخل في الاستحقاق الرئاسي ولا تملي على أي فريق مرشحاً معيناً». ويمكنه في أحيان أخرى أيضاً أن يكون «حافظاً للجميل»، فيسمعنا قفلة تصريحاته المفضلة عن فضل طويل الباع السعودي «على لبنان على مدى التاريخ».
أخيراً «نقشت» مع نائب الشوف الكاثوليكي إثر توجه قائد الجيش اللبناني الى القصر الملكي في السعودية للتوقيع على هبة الثلاثة مليارات.
غالباً ما تتغلب
عواطف طعمة السعودية على
هوى المختارة
وإذا كان إصدار بعض بيانات المديح لا يرتبط بمناسبة، إلا أن البيانات الأخيرة واضحة في تناولها «المكرمة السعودية»، وفي حرصها على توعية اللبنانيين بشأن تاريخ السعودية الحافل «بالمكارم للبنان والشعب اللبناني والجيش اللبناني». وها هو طعمة يستفيض في وصف «سخاء المملكة العربية» و»تسجيل السعودية إضافة جديدة الى مآثرها». وهنا لا بدّ من شكر وتقدير جهود أصحاب المكارم والمآثر المباشرين، وفي طليعتهم «خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز». قبل ثمانية أيام من هذا التصريح، يمكن الوقوع على بيان آخر يصف «ما قدمته السعودية بأبرز دعم تاريخي في سياق تسليح الجيش الذي ينم عن حرص السعودية على الاستقرار والامن في لبنان». وقبل ثمانية أيام أخرى، بيان ثالث لنائب المختارة يؤكد لنا أن اللقاءات التي تشهدها المملكة مع قوى 14 آذار «لا تعدّ تدخلاً في الشؤون اللبنانية ولا فرضاً لسياستها على قوى 14 آذار». بل هي ليست الا «للتشاور مع المسؤولين السعوديين الذين لهم باع طويل (!) في دعم لبنان وضمان رخائه»، طبعاً. مهلاً، لم ينته البيان الرقم 3 بعد، لا بدّ الآن من الوقوف على خاطر البيك وإبلاغ خادم الحرمين الشريفين تقدير المختارة له وامتنانها «للمكرمة السخية». وقد يفاجئ طعمة متتبعيه بتطرقه أحياناً الى ما هو أبعد من المعانقات والقبل وإطلاعنا على أبرز المستجدات على خط الرياض ــ طهران. فها هو يبلغنا (قبل ثمانية طبعاً) أن «ما جرى مؤخراً بين السعودية وإيران من مواقف سياسية متباعدة لا يؤشر الى تقارب قريب أو حل في شأن الملف اللبناني، إنما لا يعني أن السعودية تخلت عن الملف اللبناني وابتعدت عنه». لا يكاد ينهي جملته ليقفز فجأة الى أخرى تقول لنا إن دور المملكة «أساسي في سياق دعمها للمؤسسة العسكرية من خلال المكرمة السخية»، لينتقل بعدها الى الغزل بموضوعية وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، ويختم بالعودة الى «مساعي السعودية الخيّرة وفق توجهات الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز والقيادة السعودية الحكيمة».
في زحمة التصريحات والطائرات، مرّ الأسبوع سريعاً؛ وقد حان الوقت لنشر بيان آخر يختلف بشكل أو بآخر عن بيانه السابق عبر إيلائه قسماً كبيراً من الحديث عن جنبلاط «الضنين» بنثر المحبة والسلام أينما وجد، واقعياً أو افتراضياً. والواضح أن كلمة «ضنين» تعني لطعمة الكثير، إذ يكررها كلما أراد خصّ البيك بالذكر: «ضنين على كل ما يجمع ولا يفرق»… «ضنين على الثوابت الحوارية»… «ضنين على الخيارات». ولكنه لا يلبث أن ينهي ملحمته ليعود الى عادته القديمة، ويختم بيانه بالسعودية. وهنا قد يفاجئك النائب الكاثوليكي بتوجيه تحياته، لا الى الملك الذي سخا على لبنان بالطائف وبالمواقف السياسية الاستثنائية «خلال استقباله الوفود المشاركة في الحج»؛ بل ربما يفاجئ القارئ بتوجيه تحية أخرى إلى مواقف «مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ». ربما تستهويه فتاوى التسامح التي يشتهر بها آل الشيخ. وبانتظار البيان المقبل بعد 5 أيام، يبقى الأمل معقوداً على أن يفاجئ طعمة قرّاءه بأن يحذو حذو «طويل الباع» فيوجّه تحيته الى «الشعب اللبناني الشقيق»!