… يا أصحاب الفخامة والدولة والمعالي والسعادة فقد كانت من زمان يقرب القرن مثيرة للسخرية، فكيف بها اليوم؟ لقب رئيس الجمهورية: رئيس الجمهورية، كذلك رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، والنائب والوزير. ألا تكفي هذه الالقاب التي تدل على “وظيفتكم” في هذا المكان وهذا الزمان؟ وهل هناك حقا فارق بينكم وبين مطلق من يقوم بواجبه ويقبض معاشا في آخر الشهر؟ ألا يصلكم بدل أتعابكم في آخر كل شهر، وقبل الجميع تحصلون على كل الزيادات المقررة للجميع؟
اخلعوا عنكم ألقابكم فهي لا تميزكم عن مطلق انسان يحمل جنسية الوطن ولا يحتاج الى لقب يضاف الى اسمه أيا كانت وظيفته. صحيح انكم مسؤولون صوريا عن كل فصول الوطن السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والامنية والثقافية و… و… فتسلكون دروبا كثيرة تأخذكم الى مجهول لا تفصحون عنه حتى لا تزعزعوا ثقة الشعب بكم: مثلا ديون تبلغ سبعة مليارات دولار، على نماء مستمر، مطمئن، وإن بدأت غامضة، مجهولة المنشأ، كأننا في عصر أشباح حاكمة.
تقولون ثقة، وهل من ثقة بينكم ومن سبقكم وبين شعب يأتي بكم الى الحكم، كما تقول الحكاية، فينقلب قطيعاً مطيعاً وما من يستمع الى مطالبه! والشعب أيضاً منقسم الى قطعان مذهبية، يقودها رجال دين يشبهونكم في كل شيء، دولتهم مثل دولتكم، ويظل المواطن يتنقل بين هذي وتلك، مزدوج الانتماء الى حد العداء… ولا تبالون، وتنامون في المواربة والتأجيل والمماطلة، وتتحدثون عن الثقة؟
ارموا ألقابكم الى بحر ملوّث، فهل لاحظتم في يوم ان حصتنا من الشاطئ المتوسطي ملوّثة بشكل يثير القرف والخجل من أمنا الأرض ومن إنسانها؟ ألستم مسؤولين عن سلامة البيئة أرضاً ومياهاً وهواءً؟ ألا تهتمّون، أم ان الاهتمام ممنوع عليكم، وهذا ما يعرفه الشعب، ويعرف ان الأمر خارج إرادتكم، فهل لكم إرادة في مطلق قرار على رغم طول باعكم في مساحات الإخفاء والاختفاء: إخفاء الحقائق الخبيثة الجادة في تفكيك المجتمع الواحد الذي وحده يهيئ فرص التطور والنمو؟
ماذا تخفون اليوم، فتمدّدون مرتين لمجلس النواب، مجلسكم الذي ما جلس يوماً مستقيماً ولا أنجز ولا شرّع حقوقاً لأكثريات تطالب بإنصافها من سنين ولا من مجيب؟ ولا أنجز حتى قانون انتخاب جديدا، ولا انتخب رئيساً لجمهورية مساكب مذهبية، مهّدت لها حرب أهلية أنتم زعماؤها، أذكيتم نارها منفذين كالعادة أوامر خارجية صادرة عن غرب متصهين، وعن عرب وأعاجم مذهبيين لا يقلّون استبداداً عن هذا الغرب، وقد جعلوكم شحاذين بامتياز.
ماذا تبطّنون هذا الخريف؟ هل تتستّرون على تفكيك لبنان الى مناطق مذهبية صغيرة فنلتحق بالأشقاء الذين خربت أوطانهم؟ اخلعوا عنكم ألقابكم والقوا بها في البحر الملوّث وانسحبوا، فقد “هلكتوا سما ربنا”.