IMLebanon

قمة الخفة والندم

 

 

١٩ و٢٠ كانون الثاني عام ٢٠٠٩ استقبلت الكويت القمة الاقتصادية الاجتماعية الاولى، والتي تأسست بمبادرة مصرية كويتية في قمة الرياض العادية ٢٠٠٧، وتهدف الى الشراكة العربية في عملية التنمية والنهوض والتقدم في الوطن العربي. واليوم تنعقد القمة الرابعة في بيروت بعد شرم الشيخ ٢٠١١ والرياض ٢٠١٣، والتي تعطلت دوريتها بسبب ما تشهده المنطقة العربية من تطورات وانهيارات وخراب ودمار. حضر قمة الكويت في ١٩ و٢٠ كانون الثاني ٢٠٠٩ ثمانية عشر من الملوك والرؤساء ايام الوعود والأحلام الوردية، وقمة بيروت في ١٩ و٢٠ كانون الثاني ٢٠١٩ يحضرها قلة من الرؤساء ايام التحديات والكوابيس المرعبة.

إن ما حدث خلال السنوات العشر الماضية في المجتمعات العربية قد تجاوز نكبة فلسطين واحتلال العراق، وأصبح التفكك المجتمعي العربي يهدد المنطقة والعالم بالانفجار، إذ بلغ مستوى النزوح العربي بسبب النزاع ما يفوق الستين بالمئة من النزوح العالمي، وكان من البديهي ان يبادر منظمو القمة الى دعوة علماء الاجتماع اللبنانيين والعرب والدوليين لإنتاج وثيقة البيان الاجتماعي العربي، على غرار البيان الاجتماعي الأوروبي في ٢٠١٧ واميركا اللاتينية في ٢٠٠٤ الذي يحدد التحولات الاجتماعية والمخاطر ويقترح الحلول والمعالجات هذا بالإضافة الى الخفة بدعوة القمة الاهتمام بعودة النازحين، لان هذه القضية يجب ان تكون من بديهيات وظيفة الجامعة والاهتمام بسلامتهم وبمصيرهم واستقرارهم حتى بعد عودتهم إلى بلادهم.

لا يجوز أن تختبئ جامعة الدول العربية خلف إهمال الدول وتقليص ميزانياتها وعدم قدرتها على تعزيز بعثاتها الدبلوماسية من اجل استعادة ثقة العالم بنا، انها لحظة مأساوية وحرجة ونحن بأمس الحاجة فيها الى استعادة الثقة بأنفسنا وفي ما بيننا وبجامعتنا العربية وقدرتها على اعادة تجديد هويتنا وميثاقها، والجامعة اليوم أمام تحد ثقافي ووجداني عميق، ومسؤولة عن الثروة البشرية الثقافية العربية العظيمة ومن المحيط إلى الخليج، بالإضافة إلى الطاقات العربية والعقول الخلاقة المنتشرة في العالم ولا تحتاج الجامعة إلى اكثر من مئة دولار إنترنت أو احدى الفضائيات من اجل ان  تطلب مشاركة أهل الرأي والخبرة، وأنا على يقين وعن سابق تجربة بأن تلك النخب العربية ستضع امكانياتها وطاقاتها وخبراتها بتصرف جامعة الدول العربية.

سيندم اللبنانيون الذين أساءوا التحضير للقمة واحتموا بالتصريحات والخطابات والشطارات، وسيندم اللبنانيون الذين اعترضوا وحاولوا التعطيل، لان كل من الفريقين تعامل بخفة مع قدرة لبنان على لم شمل اشقائه العرب، وما قدمه منذ توقيع بروتوكول الاسكندرية المؤسس لجامعة الدول في ٧ اكتوبر/تشرين الاول ١٩٤٤، بعد اقل من عام على  قيام دولة الاستقلال الى حرب فلسطين عام ١٩٤٨ وشهداء جيش الإنقاذ واستقبال الإخوة الفلسطينيين النازحين وتحمله اعباء النزاع العربي الإسرائيلي عسكريا واجتماعياً واقتصاديا واحتضان القضية الفلسطينية واتفاق القاهرة ١٩٦٩ حتى الان، والذي ادى الى احتلال وتدمير لبنان وخسارة عشرين عاماً من التقدم والاستقرار ومئة وخمسين الف قتيل.

ستندم الدول العربية التي استخفت بدعوة لبنان إلى القمة، لأنها تجاهلت كل ما يحتاجه العرب في مواجهة تحديات اعادة الانتظام في دول النزاع وهو النموذج اللبناني وقصة النجاح العربية الوحيدة في تخطي النزاع، هذا الشعب الذي استطاع إنتاج وثيقة وفاقه الوطني، واستعاد وحدته الوطنية وأعاد بناء ما تهدم من عمران ومؤسسات، واستطاع ان يتحول إلى اعجوبة لسنوات في اعادة النهوض والبناء والانتاج، واستضاف القمة العربية ٢٠٠٢ ثم كان ما كان، وستندم جامعة الدول العربية على عدم اعتماد تجربة لبنان في الانتظام بعد النزاع كمشروع للبيان الختامي لقمة الخفة والندم اللبناني والعربي.