بعدَ سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري وتأليف أخرى برئاسة حسّان دياب، أعيد خلط الأوراق في مشروع محطات «التغويز» (FSRU – محطات عائمة لتحويل الغاز المسال المستورد بحراً إلى غاز يُستخدم في معامل إنتاج الكهرباء). طالبَ وزير الطاقة ريمون غجر باسترداد الملف، قبلَ أن يُقرّر مجلِس الوزراء، في شباط الماضي، تأليف لجنة لمتابعة عملية التغويز وإنشاء المعامل باتفاق مع تحالف شركتي «إيني» الايطالية و«قطر بتروليوم»، وللتفاوض مع التحالف على خفض السعر، علماً بأنّ المناقصة كانت قد رَست عليه قبلَ تجميد المشروع كله بسبب الخلافات السياسية. ويقضي المشروع بإنشاء ثلاث محطات تغويز، واحدة في الشمال (البداوي)، وثانية في سلعاتا (رغم عدم وجود معمل لإنتاج الكهرباء فيها بعد)، وثالثة في الزهراني. والخلاف السياسي كان متمحوراً حول عدد المحطات. الرئيس السابق للحكومة، سعد الحريري، أكّد بعد استقالته أن زيادة عدد المحطات من واحدة إلى ثلاث سببه حصراً التقاسم الطائفي: محطة «للسنّة»، وأخرى «للمسيحيين» وثالثة «للشيعة»!
مع هذا الواقع، لم تستسلِم شركة «توتال» التي سبَق أن رُفض عرضها فنياً لعدم تضمّنه خطاً لإيصال الغاز إلى معمل الذوق. فقد أرسلت الشركة يوم 26 آذار الماضي إلى الحكومة كتاباً رسمياً يتوافق مع أحد دفتري الشروط اللذين رفعهما الوزير السابق سيزار أبي خليل في حكومة العهد الأولى، وينصّ على بناء محطة في الشمال مع خط ساحلي لتغذية كل المعامل. وذكّرت الشركة في كتابها بـ«اهتمامِها بالمشاركة في إنشاء المحطات، وبأن عرضها قدّم مُقترحاً بديلاً من خيار المواقع الثلاثة، بالتركيز على منطقة الشمال، ممّا يُساعِد على تخفيض الإنفاق بشكل كبير». وتقول «توتال» في كِتابها إن «المُقترح البديل هو بناء محطة واحدة في منطقة البداوي، وهي كفيلة بتأمين المتطلبات، بما فيها إمدادات الغاز، كما هو منصوص عليه في خطة الكهرباء 2019، لكل من دير عمار وسلعاتا». وفي كتابها أيضاً أكدت أنها تقدمت «بالعرض الأفضل شمالاً، بحيث يحقّق وفراً بقيمة ١٩٠ مليون دولار سنوياً». والجديد أن «توتال» أبدت استعداداً للتعاون مع الشركات الأخرى، طالبةً من الحكومة مراجعة المسألة، ومبدية استعدادها لعقد اجتماع في هذا الخصوص.
كتاب الشركة الفرنسية يعزّز وجهة نظر القائلين بأن لبنان لا يحتاج إلى أكثر من محطة واحدة، أو أقله الاستغناء عن محطة سلعاتا، التي وفق كل التقارير هي الأكثر كلفة، والتي أضيفت في دفتر الشروط في العام ٢٠١٩، الذي يتضمن إنشاء ثلاث محطات على أساس المحاصصة رغم التكاليف المرتفعة.
تحالف الشركتين القطرية والإيطالية عرض خفض أسعاره بنحو 30 في المئة
يبقى سؤال لم تتضح إجابته بعد: لماذا تُصرّ «توتال» على الاستثمار في هذا المشروع رغم انخفاض أسعار النفط وتداعيات انتشار وباء كورونا؟ مصادر مُطلعة قالت إن «كتاب توتال ليس غريباً، فقد أرسلته الشركة بسبب تأليف حكومة جديدة، ولإطلاع هذه الحكومة على العرض الذي سبقَ أن تقدمت به من أجل دراسته من جديد، ولا سيما أنها تعتبر أن العرض الذي تقدمّت به في الشمال هو الأنسب». المصادر نفسها أكدت أن «حظوظ شركة توتال لا تزال منخفضة». فبحسب المعلومات، أبدى تحالف الشركتين القطرية والإيطالية، الفائز في المناقصة، استعداده في اجتماعات مع مسؤولين معنيين بالملف إلى «خفض أكثر من ٣٠ في المئة من السعر الذي تقدمت به، علماً بأن عرض توتال غير كافٍ، لأنه لا يضمن تأمين الإمدادات إلى كل لبنان، ولا يحلّ مشكلة المناطق الواقعة جنوبي بيروت».