يبدو انّ العقبات امام سَير لبنان بملف التنقيب عن النفط والغاز لن تنتهي فصولاً، فبعد توقف المفاوضات لترسيم الحدود البحرية لفترة وإهمال لبنان توقيع المرسوم 6433، ظهرت عقبة جديدة تتعلق بشركة «توتال» المخوّلة التنقيب في البلوك 9.
كشف مصدر متابع لملف التنقيب عن النفط والغاز في لبنان لـ»الجمهورية» ان شركة «توتال» طلبت من لبنان في رسالة وجهتها الى هيئة ادارة قطاع البترول تأجيل موعد الحفر في البلوك 9 والذي كان مقررا ان يبدأ العمل به قبل نهاية شهر ايلول من العام 2022.
مع العلم انه كان يفترض بشركة «توتال» ان تبدأ بالتنقيب في هذا البلوك في منتصف العام الجاري، الا انه وابان جائحة كورونا اتخذت الدولة اللبنانية سلسلة قرارات بتمديد مهل للعقود كان من ضمنها عقد الاستخراج والاستكشاف للبلوكين 4 و 9 والذي تأجل حوالي العام.
ويعيد هذا القرار بالذاكرة الى ما جرى في العام 2020 عندما سرت معلومات نقلت عن لسان السفير الفرنسي بأن شركة «توتال» باتت تفضل دفع البند الجزائي على المغامرة في الاستكشاف في البلوك 9 وان لديها النية للانسحاب من لبنان. فهل يأتي توجهها هذا تمهيديا للانسحاب؟ أما ان ان هناك اسبابا غير معلنة، ولن تُعلن وراء هذا التوجّه؟
بحسب المصادر، تبرّر توتال طلب تمديد المهل مجددا بتردّي البنى التحتية في لبنان من الكهرباء الى الانترنت وصولا الى تداعيات انفجار مرفأ بيروت وبأن الوضع اللبناني لا يسمح، بينما ترى المصادر ان هذه العلل غير منطقية فالشركة عملت في اماكن كان وضعها الاقتصادي اسوأ من لبنان عدا عن ان المعدات التي استعملتها الشركة لدى الحفر في البئر 4 لم تتضرر جراء انفجار المرفأ.
وكشفت المصادر ان الاسباب الحقيقية وراء طلب «توتال « التأجيل يعود لأن الميزانية التي خصصتها الشركة لاجراء عمليات الاستكشاف محصورة ومحدودة لذا اعطت الافضلية للاستكشاف في بلدان او آبار ترتفع فيها نسب توفر الغاز وحقول يرجّح انها واعدة وتجارية أكثر من لبنان، خصوصا وان توتال ترتبط بعدة عقود تنقيب في العالم. ولطلب «توتال» في هذا التوقيت بالذات تداعيات سيئة على لبنان لأنه يأتي في وقت تمر فيه البلاد بوضع اقتصادي يعول فيه كثيرا على الاستثمار في قطاع النفط والغاز كأحد الحلول القادرة على انقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية، الى جانب قدرة هذا القطاع على ادخال العملات الصعبة الى البلد وخلق فرص عمل للشباب ويعوّل كثيرا على هذا القطاع للنهوض بالاقتصاد مجددا.
وعن الآمال المعقودة على البلوك 9 على اعتبار أنه بئر غني بالغاز خصوصا وانه يجاور آبار اكتشفت فيها كميات كبيرة من الغاز تقول المصادر: في صناعة البترول لا يمكن لأحد ان يعلم مسبقا ماذا يوجد في قاع البحار الذي يتخطى عمقه الـ3000 متر.
وإزاء هذا المنحى في التعاطي مع عملية التنقيب في البلوك 9، شددت المصادر على ضرورة ان ترفض الدولة اللبنانية هذا الطلب خصوصا وان توتال تنوي ان تبدأ اعمال الحفر في قبرص العام المقبل وبامكانها بالتالي ان تبدأ عمليات الحفر في المكانين على التوالي ما من شأنه ان يحقق لها وفرا، على غرار ما كانت تخطط له سابقا عند بدئها باعمال الحفر في البلوك 4 بحيث كانت تنوي ان تبدأ مباشرة بعده بالحفر في قبرص الا انها ارجأت ذلك بسبب جائحة كورونا. وأوضحت ان تحميل الباخرة وانطلاقها من اوروبا الى المتوسط تكلف حوالي ملياري دولار وعودتها فارغة تكلف المبلغ نفسه اي ما مجموعه 4 مليار دولار بينما استعمال الباخرة للحفر في حقلين يقسم الكلفة الى النصف.
وعن توجّه توتال لإعطاء افضلية للتنقيب في بلوكات دول أخرى على اعتبار انها واعدة اكثر من لبنان، تذكر المصادر ان توتال التزمت عام 2016 ببدء اعمال الحفر والتنقيب في البلوكين 10 و 11 التابعين لقبرص، الا انها ما لبثت ان تنازلت عن البلوك 10 اعتقادا منها ان احتمالات وجود الغاز فيه متدنية، فأقدمت السلطات القبرصية على تلزيمه لـ Exon mobil ليتبين بنتيجة الحفر الاستكشافي ان كمية الغاز الموجودة فيه تتراوح ما بين 5 و 8 مليون قدم مكعب وستباشر الشركة الان بحفر بئر ثانية استقصائية لتحديد الكمية الموعودة بدقة اكبر. هذا المثال يؤكد انه يمكن لشركة التنقيب ان تخطئ بتقديراتها وهذا ما قد ينسحب على البلوك 9 الذي تنوي توتال تأجيل عمليات التنقيب فيه.
وتقترح المصادر في حال اصرت توتال على قرار التأجيل ان تجيّر قيادة البلوك والتشغيل لـ ENI وهي من ضمن الكونسورتيوم الذي فاز بالتنقيب في البلوك 9 التي هي وراء اكبر اكتشاف في البحر الابيض المتوسط وهو حقل ظُهُر في مصر، وهذا الحقل يبعد حوالي الـ 10كيلومترات عن البلوك 10 الذي أعادته توتال للدولة القبرصية.