المماطلة لا تُطمئن… الضغوطات الأميركية و «الإسرائيلية» فعلت فعلها… وقبرص والعراق الوجهتان البديلتان
قبل أن توقّع «حكومة معاً للإنقاذ» على تعديل المرسوم 6433 بحسب الإحداثيات الجديدة للحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي وتودعه لدى الأمم المتحدة بهدف حفظ حقوق لبنان في ثروته النفطية والسمكية في المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة له، وقبل العودة الى طاولة المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي بعد تعيين إدارة الرئيس الأميركي، الوسيط الجديد فيها آموس هوكشتاين، يبدو أنّ شركة «توتال» الفرنسية التي ترأس «ائتلاف الشركات» لم تعد مهتمّة للبدء بعملية الحفر التجريبي أو الإستكشاف في البلوك 9 الذي كان يُفترض أن تحصل قبل أيّار الماضي أو في نهاية العام 2020، وجرى تأجيلها الى منتصف العام الجاري، ومن ثمّ الى 13 آب من العام 2022، وبعد ذلك الى قبل نهاية شهر أيلول من العام نفسه.
واليوم أعلنت عن تأجيل جديد الى 22 تشرين الأول من العام المقبل، رغم أنّه لدى توقيع العقد مع الدولة اللبنانية، أكّدت «توتال» أنّ الحفر في هذا البلوك سيبعد نحو 25 كلم عن الحدود مع «الإسرائيلي»، وبالتالي فإنّ رقعة الحفر لن تكون ضمن البقعة المتنازع عليها. فهل ستُنهي «توتال» الفرنسية عقدها الموقّع مع وزارة الطاقة اللبنانية متذرّعة بحجج عدّة، تلافياً للوقوع بالمشاكل والخسائر بسبب الضغوطات الأميركية و»الإسرائيلية» عليها، مفضّلة دفع البند الجزائي على خوض مغامرة الإستكشاف في منطقة متنازع عليها، أم ستستمرّ في عملها على ما تُطمئن وزارة الطاقة في لبنان، ولا سيما هيئة إدارة قطاع البترول التي أكّدت في بيان أخير لها عن أنّ «تحالف الشركات» لا يزال ملتزماً باتفاقيتي الإستكشاف والإنتاج الموقّعتين في كلّ من البلوكين 4 و9 في المياه البحرية اللبنانية؟!
أوساط ديبلوماسية عليمة قالت بأنّ ليس ما صدر أو يمكن أن يصدر لاحقاً عن شركة «توتال» الفرنسية المخوّلة بدء الحفر في البلوك 9، بحسب العقد الموقّع بين «كونسورتيوم الشركات» وهيئة إدارة قطاع البترول في وزارة الطاقة، مفاجئاً للدولة اللبنانية. فمنذ أن أعلنت أنّها التزمت التنقيب عن النفط والغاز في البلوكين 4 و9 بالتوازي، وهي تقوم بعملية التسويف والتأخير والمماطلة، وقد قامت بتعديل برنامج عملها مرات عدّة، فبدأت في البلوك 4، وعملت على تأجيل بدء عملية الإستكشاف في البلوك 9. وحتى الآن لا أحد يعلم إذا ما كانت لا تزال مهتمّة أو متحمّسة للحفر فيه، سيما وأنّها تتذرّع بعدم ترسيم الحدود، وعدم الإتفاق حول منطقة النزاع. في الوقت الذي أكّدت فيه وزارة الطاقة السابقة أنّ تحالف الشركات لا يزال ملتزماً التنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية، وأنّها تتابع تنفيذ برنامجي العمل للبلوكين 4 و9 مع الإئتلاف، مشيرة الى أنّ انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي قد ألحق أضراراً بالقاعدة اللوجيستية المخصّصة لتنفيذ الأنشطة البترولية في المياه البحرية اللبنانية.
وذكرت الاوساط بأنّ مجموعة «توتال إينيرجيز» قد أعلنت عن توقيعها بالأحرف الأولى على اتفاق مع الحكومة العراقية بقيمة عشرة مليارات دولار للإستثمار في البنى التحتية يُفترض أن يستمرّ 25 عاماً، على أن تليها دفعة ثانية بقيمة 17 ملياراً، ما يجعلها تعود «من الباب العريض» الى العراق. علماً أنّ هذا الإستثمار يُغطّي «إنشاء شبكة تجميع ووحدات معالجة الغاز»، و»إنشاء وحدة معالجة مياه البحر ذات سعة كبيرة» (وهي ضرورية لاستخراج النفط)، و»إنشاء وتشغيل محطّة الطاقة الكهروضوئية».
وهذا الأمر، قد يجعلها تغضّ النظر عن العمل في لبنان بسبب المواقف السياسية غير الواضحة، من وجهة نظر شركة «توتال»، ولعدم الدخول في النزاع القائم. وأوضحت الاوساط بأنّ العقد الموقّع مع «كونسورتيوم الشركات» برئاسة «توتال» منذ أيّار العام 2018، حدّد المهلة الزمنية لمرحلة الإستكشاف بثلاث سنوات، ما يعني أنّها تنتهي بأيّار 2021. غير أنّ البند الأخير في العقد أعطى التحالف نوعا من الحرية في إدخال التعديلات على برامجه من دون أي تنسيق مع الطرف اللبناني، ما جعل لبنان غير قادر على إرغام الإئتلاف أو شركة «توتال» تحديداً على الإلتزام بالمواعيد المحدّدة، أو التي تُناسبه لبدء الحفر. وإذ أتاح للشركات الثلاثة أي «توتال» و»إيني» الإيطالية، و»نوفاتيك» الروسية، المطالبة بالتمديد لسنتين، أي حتّى أيّار 2023، ولكن شرط أن تكون قد أنجزت أعمالها في مدّة الإستكشاف الأولى، وسلّمت الدولة 25% من مساحة البلوك 9، مع إمكانية التنقيب عن بئر واحد بعد ذلك، فلا بدّ لوزارة الطاقة من مراجعة العقد مع «تحالف الشركات» لمعرفة نواياه الفعلية.
وأشارت الأوساط نفسها الى أنّه فيما يتعلّق بالبلوك 4، فقد اكتفت «توتال» بإصدار بيان عن عملية الحفر فيه تحدّث عن «احتمال وجود آثار للغاز لكن بكميّات غير تجاريّة»، ولم تعمل لاحقاً على توضيح ما اكتشفته في التقرير المفصّل الذي كان يُفترض أن يصدر بعد شهرين من انتهاء أعمال التنقيب في أواخر شهر أيّار من العام 2020، وتأخّر صدوره، ولم يصدر حتى الآن. علماً بأنّه بحسب العقد الموقّع، يجب الحفر ببئر آخر في البلوك نفسه، في حال عدم التوصّل الى نتائج مرضية في البئر الأول.
وعن تأجيل شركة «توتال» التنقيب في البلوك 9 مرّة جديدة، ما يوحي بفسخ العقد مع وزارة الطاقة، ذكرت الاوساط بأنّ هيئة إدارة قطاع البترول أكّدت في بيان لها عن استمرار عمل الإئتلاف، وبأنّه لا يزال ملتزماً باتفاقيتي الإستكشاف والإنتاج الموقّعتين في كلّ من البلوكين 4 و9 في المياه البحرية اللبنانية. وجاء في البيان بأنّه «بفعل قوانين تعليق المهل في العقد بفعل جائحة «كورونا»، جرى تمديد مهلة الإستكشاف مرّة جديدة الى 22 تشرين الأول 2022، أي قبل أسبوع من الإستحقاق الرئاسي الذي يُفترض حصوله في 30 منه. وكانت «توتال» قد تذرّعت بأنّ التأجيل الجديد يعود الى أنّ الميزانية التي خصّصتها لإجراء عملية الإستكشاف في البلوك 9 محدودة، ولفتت الى أنّ الشركة تُعطي الأفضلية للإستكشاف في بلدان أو آبار أخرى ترتفع فيها نسبة توافر الغاز، وحقول تجاريّة قد تكون واعدة أكثر ممّا هو موجود في البلوكات اللبنانية.
فما الذي يعنيه كلّ هذا التأجيل، وهل يُمكن أن تكون التطمينات من الدولة اللبنانية قائمة على أسس متينة، أم أنّ «تحالف الشركات» سيعتذر في نهاية الأمر، لا سيما بعد تأجيل عمله الى قبل أسبوع من موعد انتخاب الرئيس الجديد للبلاد، أجابت الأوساط نفسها، بأنّ المماطلة لا تُطمئن بطبيعة الحال، رغم أنّه بسبب وباء «كورونا» جرى تأجيل أمور عدّة، وقد اتخذت الدولة اللبنانية قرارات عدّة بتمديد مهل العقود، ومن ضمنها عقد الإستكشاف في البلوكين 4 و9 الذي تأجل لنحو عام. كما أنّ «توتال» تُعطي بعض الذرائع المتعلّقة بالأزمة الإقتصادية الخانقة التي تضرب لبنان وعدم توافر البنى التحتيّة اللازمة، والكهرباء و»الإنترنت» والمحروقات وعدم الإستقرار المالي والنقدي وما الى ذلك، ما قد يُعيق عملها. علماً بأنّ المعدّات التي تستعملها في لبنان لم تتضرّر جرّاء انفجار مرفأ بيروت، كما سبق وقيل. ولهذا على الدولة التصرّف سريعاً ومعرفة إذا ما كانت «توتال» لا تزال متحمّسة لاستكمال عمليات الإستكشاف في البلوكين 4 و9 في لبنان، أم أنّ عملها في بلوكات قبرص البحرية، وفي العراق قد يُغنيها عن الإلتزام بعقدها مع لبنان.
وعن تحديدها تاريخ بدء العمل في البلوك 9 الى 22 تشرين الأول 2022، فتجده الأوساط نفسه مستغرباً سيما وأنّ البلاد ستكون منشغلة عندها بالإستحقاق الرئاسي، وسيكون أمام «توتال» حجّة مناسبة لتأجيل بدء عملها مرة جديدة.