Site icon IMLebanon

توقيت ملتبس لإعلان “توتال”: التنقيب ممنوع مع وجود “حزب الله”

 

كضربة عسكرية موجعة جاء إعلان شركة «توتال» توقف عملية الحفر في البلوك رقم 9 بعدما تبيّن لها عدم وجود كميات تجارية في مكمن قانا. وقالت الشركة إنها حفرت على عمق 3900 متر منذ بدأت الحفر في شهر آب، ولم تصل إلى النتيجة المرجوة. كان ينقص لبنان خبراً كهذا ليزيد التوتر والخلافات السياسية ويعود التراشق بالإتهامات وينال عهد رئيس الجمهورية ميشال عون حصته من التهم بالتآمر وتزوير الوقائع. تمّ التعامل مع إعلان «توتال» بمقاربة سياسية كيدية بعيداً من الحس الوطني.

 

فإعلان الشركة توقيف عمليات الحفر في ظل الحرب الدائرة في الداخل الفلسطيني وعلى الحدود مع لبنان، وفي خضم دعوة الدول الغربية والعربية رعاياها إلى مغادرة لبنان يوجب التوقف عند التوقيت ومضمون الإعلان معاً. فالشركة التي أعلنت الشروع في عمليات التنقيب التي تستلزم عادة وقتاً طويلاً سارعت إلى القول «لا مكمن للغاز في الحقل الذي تعمل عليه وهو البلوك رقم 9»، فهل هو إعلان سياسي قبل أن يكون تقنياً؟

 

مصادر متابعة لملف التنقيب عن النفط قالت إنّ البلبلة التي أحدثها إعلان «توتال» بوقف عملها أعاد تصويبه بيان وزارة الطاقة الذي أبقى الباب مفتوحاً أمام احتمالات وجود الغاز. وتصوّب المصادر حقيقة الأمر بالقول «لا اكتشاف لكميات تجارية، ولكن الاكتشاف لا يزال ممكناً»، موضحة ما حصل مع «توتال» على النحو الآتي: «تبين أنّ الطبقة المستهدفة والمراد الوصول إليها لا تحتوي على الكميات المتوقعة منها، كان يفترض أن تحفر على عمق نحو 4200 متر فاذا بها تكتفي بعمق 3300، وتبيّن لها أنّ الغاز تسرّب منذ أعوام طويلة، وهذا لا يعني أنّ لا غاز في حقل قانا، لأنّ قانا هو حقل وليس مكمن».

 

ولا يغفل المصدر المعني بالملف عن كثب العنصر الجيوسياسي من إعلان «توتال»، «فالضغط السياسي قائم ويؤثر على تسريع عملية التنقيب أو إبطائها، وكان واضحاً أنّ الهدف إخضاع لبنان لمزيد من الضغط، والقول إنّ تدهور الوضع على الحدود مع فلسطين المحتلة يعني استحالة التنقيب»، لكن في المقابل «لا يمكن للشركة أن تتكتم على أي نتائج ايجابية، فإذا كانت عمليات التنقيب أفضت إلى وجود الغاز لأعلنت النتيجة فوراً، لكن العامل السياسي موجود وبقوة في توقيت الإعلان وطريقته».

 

من الناحية التقنية يوضح المصدر أنّ الدراسات التي سبق وأجريت على مراحل عدة جيوفيزيائية ثنائية وثلاثية الأبعاد تحدثت عن احتمال وجود الغاز على عمق 4000 متر من المياه، ليتبيّن أنّ كمية الغاز تسربت بتراكم السنين، وهذا عالم احتمالاته واسعة، وإذا اجتمع 10 جيوسياسيين فيعني وجود 8 آراء مختلفة. ونتائج الحفر لا تكون مؤكدة بنسبة مئة في المئة الا بعد مباشرة حفر البئر».

 

ويؤكد أنّ عمليات الحفر بيّنت وجود نوعية من الرمل جيدة جداً، والغاز غير موجود «لكن هذا لا يعني أنّ الطبقات المحيطة خالية من الغاز لذلك نقول لا يمكن إهمال العامل السياسي من الموضوع، ولكن ليس إلى درجة المؤامرة».

 

ينتقد المصدر الهجوم السياسي والأجواء السلبية التي أشيعت عقب إعلان «توتال» بعيداً عن أي مقاربة وطنية حتى ليبدو وكأن الهدف «تهشيل الشركات التي تنوي الاستثمار في القطاع، وفي البلوكات المتبقية، وقد كان جذبها هدفاً للترسيم مع اسرائيل، وكانت غايته الأولى إعطاء الشركات ضمانات لتقديم عروضها للاستثمار في لبنان»، وتوقف المصدر عند نقطة أخرى، وهي «ظهور هذا العدد من خبراء الطاقة فجأة، راحوا يحلّل نتائج عمل «توتال» حتى لتظن من خلال جلسة اللجنة النيابية الأخيرة وقبلها، وكأن هناك 128 خبير طاقة في لبنان».

 

ترفض المصادر نظرية المؤامرة، وتقول «ليس ممكناً للشركة أن تحقق اكتشافاً وتخفيه عن الرأي العام. منذ البداية كانت احتمالات النجاح 25 في المئة، ولا يمكن أن نجد الغاز في كل الآبار التي تحفر، ففي اسرائيل حُفرت 11 بئراً واكتشف الغاز في ثلاث منها فقط. وفي لبنان حفرت الشركة حتى وصلت إلى الطبقة المستهدفة لتجد أنّ الغاز تسرّب من سنين طويلة. هناك أكثر من مكمن و»توتال» تقدمت بطلب ترخيص للبلوكين 8 و10 أي أنها ستستكمل العمل ولديها دراسات تستبق إصدار التقرير النهائي الذي يفترض أن يستغرق وقتاً»، بمعنى آخر الأمل لا يزال موجوداً في أن يتمكن لبنان من اكتشاف ثروته، ولكن الوضع الأمني سيكون له تأثيره، فشركة «توتال» سرعان ما أعلنت نقل معداتها للعمل في قبرص ما يعني أن عودتها للتنقيب في نقاط جديدة لن تكون في المدى القريب».

 

ينفي المصدر الحديث عن أن كميات الغاز الكبيرة موجودة في الجزء الذي تنازل عنه لبنان لصالح اسرائيل بالاتفاق على النقطة 23 من الحدود بدل 29، وقال «لم يتغاضَ لبنان عن حصته في حقل قانا والشق الذي في عهدة اسرائيل ليس لبنانياً».

 

غادرت «توتال» مخلّفة علامات استفهام كبرى بينما تنتظر وزارة الطاقة تقريرها الذي طلبه وزير الطاقة مفصلاً. من الناحية القانونية يفترض أن ترفع «توتال» تقريرها إلى المعنيين في ظرف شهرين، فلا يزال هناك متسع من الوقت، لكن التقرير سيكون مثار نقاش وأخذ ورد بينها وبين لبنان، على حد قول مصادر الطاقة، فلبنان لا يملك معلومات تؤكد تعرّض «توتال» لضغوط سياسية سرّعت في إعلان نتائج عملها، لكن منطق الأمور يجعل فرضية الضغط قائمة ما دام الإعلان أتى في ظرف سياسي ملتبس وبالغ الحساسية لتكون الرسالة السياسية عن قصد الشركة أو من ورائها بمنع لبنان من الاستفادة من ثروته النفطية في ظل وجود «حزب الله» على الحدود.