تُحاول حكومة تصريف الأعمال، ومن ضمنها وزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع النفط فيها، تتبّع أحكام العقد الموقع بين الدولة اللبنانية وشركة “توتال إنرجي” الممثّلة لكونسورتيوم الشركات، للحصول منها على التقرير النهائي للحفر في حقل قانا في البلوك 9، سيما وأنّها قامت بتأجيل موعد تقديمها له مرّات عدّة حتى الساعة.. علماً بأنّ وزارة الطاقة تتابع هذا الأمر بشكل يومي، وقد أرسلت كتباً لشركة “توتال” تسألها فيها عن أسباب التأخير في تقديم التقرير الذي يقبع في أدراجها، بعد أن جرى إنجازه منذ وقت طويل، غير أنّها لا تردّ على الدولة اللبنانية، بل تتعمّد أن تكون “غائبة عن السمع” بعد سلسلة من الوعود والتأجيلات لموعد تقديم تقريرها النهائي، مع العلم بأنّه عليها رفعه للدولة اللبنانية بعد إنهاء عملها في البلوك 9، وضمن فترة محدّدة.
مصادر سياسية متابعة لملف النفط والغاز، أكّدت أنّ أداء شركة “توتال” يُظهر أنّها ليست جدية في التعاطي مع الدولة اللبنانية في مسألة الإستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز، وخير دليل على ذلك هو حفرها بئراً واحدة في كلّ من البلوكين 4 و9 ليس أكثر، والمماطلة في إعطاء النتائج الرسمية للدولة اللبنانية عن تفاصيل عملية التنقيب. فضلاً عن إنهاء عملها في حقل قانا بعد 4 أيام من عملية طوفان الأقصى وحزم أغراضها ومغادرتها، من دون إعطاء أي تفسيرات واضحة، سوى أنّها لم تجد فيه سوى الماء وليس الغاز.
وما يبرز بشكل واضح أنّه لم يعد هناك أي ثقة من قبل الدولة اللبنانية بشركة “توتال” الفرنسية، سيما وأنّ أداءها فيه الكثير من المماطلة والتسويف والتأجيل، فضلاً عن الإستخفاف بالموضوع، لا سيما مع تقديمها طلب غير مستوفٍ الشروط للحفر في البلوكين 8 و10، ومن ثمّ رفضها شروط وزارة الطاقة “المخفّفة” خصّيصاً للكونسورتيوم. وهذا يعني أنّها لا تريد أن يبدأ لبنان عمله في التنقيب والإستكشاف في قطاع النفط والغاز في البلوكات البحرية، وأن يقوم بعملية الإنتاج والبيع. في الوقت الذي يُتابع فيه العدو الإسرائيلي عمله في حقل “كاريش” في المنطقة المحاذية للحدود البحرية اللبنانية.
وإذ كان يُفترض أن تُقدّم “توتال” تقريرها النهائي حول الحفر في البلوك 9 في نهاية شباط، على ما أضافت المصادر، جرى تأجيل الموعد الى منتصف آذار، ومن ثمّ الى 12 نيسان الجاري، وهو موعد انتهاء مهلة الـ 6 أشهر التي على الشركة تقديم تقريرها النهائي ضمنها. غير أنّ “توتال” تخطّت كلّ هذه التواريخ، من دون أن تعطي أي مبرّر لوزارة الطاقة حول تأخّرها برفع تقريرها اليها، سيما وأنّها أنهت عملها في حقل قانا في 12 تشرين الأول المنصرم.
من هنا، تقول المصادر نفسها أنّ لبنان يُحاول الضغط على “توتال” انطلاقاً من العقد الموقّع معها وما ينصّ عليه، أي وفق القانون، للحصول على هذا التقرير. فليس بمستطاعها أن تُقرّر عدم الردّ على الدولة اللبنانية، سيما وأنّه من ضمن واجباتها التعاقدية أن تضع التقرير النهائي بعد الإنتهاء من عملية الحفر، وإرساله الى الحكومة ووزارة الطاقة، ما يعني بأنّه ليس بإمكانه أن تختار إذا كانت تريد إرسال التقرير أم لا، لأنه أمر مفروض عليها.
أمّا في ما يتعلّق بالمهلة الزمنية لإرسال التقرير، فإنّ العقد الموقّع بين “الكونسورتيوم” والدولة اللبنانية، على ما أوضحت المصادر، لا يذكر مدّة زمنية محدّدة لإرسال التقرير إذا لم يكن هناك أي إكتشاف، وهذه هي الحالة بالنسبة للبلوك 9. ما يعني أنّ “توتال” تكون مرغمة على تسليم التقرير ضمن مهلة الـ 6 أشهر من تاريخ إنهاء عملها في حال كان هناك إكتشافات، لأنّه بناء على هذه الأخيرة تكون مضطرة الى وضع خطة لتطوير الحقل..
ويستدعي هذا الأمر بالتالي التساؤل حول قرار “توتال” بإنهاء العمل قبل انتهاء الوقت المحدّد، على ما لفتت المصادر السياسية، وقبل حصول إكتشاف ما. فهل استعجلت وقف العمل والمغادرة قبل أن تقوم بأي إكتشاف، لكي تتمكّن من التأخير في تسليم التقرير، فضلاً عن تأجيل العمل في قطاع النفط والغاز من قبل الدولة اللبنانية؟ والمعلوم أنّها ماطلت في دورة التراخيص الثانية، وفي نيتها في الحفر في البلوكين 8 و10، ومن ثمّ رفضت عرض لبنان واشترطت في عرضها سنة إضافية، لتقرّر بعدها إذا ما كانت ستحفر في البلوك 8 أم لا بعد إجراء المسح الجيولوجي له.
وذكرت المعلومات في هذا السياق، أنّ وزارة الطاقة لجأت الى الإعتماد على نصوص أخرى في المراسيم التنظيمية التي تذكر مهلة الـ 6 أشهر بشكل واضح، إذ تنصّ على أنّه على الشركة تقديم تقريرها عن عملية الحفر الى الدولة اللبنانية في مهلة لا تتجاوز الـ 6 أشهر. ولكن المشكلة هنا، أنّ المراسيم التنظيمية هذه لا تتطابق مع العقد الموقّع، ولهذا لا بدّ من إيجاد حلّ لهذا الأمر.
ولهذا نرى اليوم أنّ الحكومة اللبنانية تعتمد على المراسيم التنظيمية التي تُلزم “توتال” بهذه الفترة، في حين أنّ هذه الأخيرة تعتمد على العقد الذي لا يُلزمها بها، خصوصاً وأنّها في إعلانها الأولي لنتائج عملية الحفر في حقل قانا تحدّثت عن عدم وجود أي إكتشافات. ومن هنا، أكّدت المصادر ذاتها، أنّ ثمّة أزمة ثقة بين “توتال” والدولة اللبنانية التي لا تزال تُشكّك بنتائج الحفر في البلوكين 4 و9. أمّا قرارات “توتال” فتشير بشكل واضح الى نيّتها هي المماطلة، وهدر الوقت قدر الإمكان، وبالتالي منع لبنان من المضي قُدماً في عملية التنقيب عن الغاز والنفط، ومن استخراج الثروة النفطية وإنتاجها وبيعها، الأمر الذي من شأنه تحسين وضعه الإقتصادي والمالي، ويجعله لا يحتاج الى أموال صندوق النقد الدولي في المرحلة المقبلة.