الإستحقاق الرئاسي ينتظر التسوية الكبرى… والمساعدات ستبقى «حليباً ومُعلّبات وأسبرين» التطوّرات السوريّة في الجنوب والشمال قد تتدحرج الى حرب شاملة قريباً
الرياح الساخنة تتجمع في سماء لبنان وسوريا وفلسطين، وتحمل معها بذور مواجهات مفتوحة على كل الاحتمالات، نتيجة الاستعصاء والتعقيدات في كل الملفات، بدءا من الجمود المخيم على المفاوضات اليمنية، الى تعثر الاتفاق النووي والكباش المتصاعد بين واشنطن وطهران، امتدادا الى التوترات في العراق والمواجهات البطولية بين رجال المقاومة وقوات الاحتلال في فلسطين المحتلة، الى الغارات «الاسرائيلية» على سوريا وآخرها استهداف مدرج مطار دمشق الدولي، التي باتت تتطلب استراتيجية جديدة من محور المقاومة، بعد ان تجاوزت «اسرائيل» الخطوط الحمراء، وصولا الى الازمة النفطية في لبنان، كل هذه التطورات حسب المتابعين تتزامن مع حصار اقتصادي خانق وتهديدات تركية باجتياح منبج وتل رفعت شمال سوريا لطرد مقاتلي «قسد» وتوسيع نطاق الاحتلال التركي.
هذه المعطيات تؤكد ان المنطقة على فوهة بركان؟ ومن يضمن عدم تدحرج الاوضاع الى حرب شاملة في ظل الاعتداءات وعمليات الاستنزاف التي تمارسها «اسرائيل» في لبنان وفلسطين وجنوب سوريا وشمال تركيا؟
ويبدو حسب المتابعين، ان لبنان وسوريا وفلسطين سيكونون محور «المواجهات» الكبرى والمفتوحة، وكل هذه الحروب والضغوطات هدفها رأس حزب الله وسلاح المقاومة في لبنان وفلسطين، وضرب ما تمثله سوريا من قاعدة خلفية لحماية هذا السلاح، والباقي تفاصيل. وحسب المتابعين، فان الحصار الاميركي السعودي على لبنان فتح مع ترامب والقيادة السعودية، ومستمر مع بايدن ومحمد بن سلمان، وسيبقى لبنان محاصرا والتعافي ممنوعا، والاتفاقات مع صندوق النقد الدولي لن توقع والغاز الاردني لن يصل؟
أولوية السياسة الاميركية – السعودية سلاح حزب الله، والمدخل الى ذلك حصار الدولة وخلق هوة بين المقاومة والشعب اللبناني وتحميلها كل المسؤوليات، وحسب المتابعين، ستبقى المساعدات مجرد «علب أسبرين وحليب ومعلبات» لمنع الانهيار. والفوضى الشاملة غير مضمونة التداعيات جراء الخوف من تعبئة حزب الله الفراغ، لذلك ستبقى الاوضاع على حالها، خصوصا بعد الفشل الاميركي – السعودي في الانتخابات وعدم القدرة على أحداث انقلاب شامل في تركيبة الدولة ومفاصلها نيابيا.
من هنا، فان انظار الاميركيين والسعوديين مصوّبة نحو الاستحقاق الرئاسي والضغط للمجيء برئيس ينسف تركيبة الطائف وكل مفاصل الدولة القائمة، وتنفيذ انقلاب شامل ضد حزب الله وسوريا مستحيل الوصول اليه دون اجتياح عسكري شامل كما حدث عام 1982، لكن هذه المغامرة مستحيلة حاليا نتيجة موازين القوى الداخلية، والبديل عن هذا السيناريو استمرار الحصار الخانق وعدم تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية والدخول في فراغ قاتل، وهذا السيناريو سمعه المسؤولون اللبنانيون من الزوار العرب والاجانب الذين قدموا الى بيروت مؤخرا سرا وعلانية، حتى ان رئيس جهاز امني عربي قال لزواره، «على اللبنانيين انتظار التسوية الاميركية – الايرانية – السعودية – السورية المستحيلة حاليا، والفراغ قد يتجاوز السنتين واكثر. اما فتح الملف النفطي فمرتبط بازمة الغاز العالمية والحاجة الاميركية الاوروبية لغاز البحر المتوسط وحقول «اسرائيل» وقبرص، وهذا الاجراء الخطر سيترك تداعيات على كل المنطقة وقد يحرق الجميع، ومن ينتظر الانفراجات في لبنان والمنطقة حاليا عليه اعادة درس حساباته جيداً».
ويؤكد المتابعون، انه في موازاة الحصار على لبنان، فان الحصار على سوريا سيتصاعد من كل الجهات، وكل المتابعين للوضع السوري يعرفون ان القلق «الاسرائيلي» من وجود المقاومة في الجولان، وعلى بعد أمتار من المواقع «الاسرائيلية» في جبل الشيخ وقرى الجولان المحتل هو الخطر الوجودي الأول على «اسرائيل» منذ احتلالها لفلسطين، وأدى مؤخرا الى هروب كل الاستثمارات العربية والدولية التي تجاوزت مئات مليارات الدولارات من الجولان المحتل الذي يعتبر من اغنى المناطق في العالم في موارده الطبيعية.
وفي المعلومات، ان «اسرائيل» لا يمكن ان تتعايش مع هذا الخطر الوجودي، وقدمت التنازلات عبر الموفدين الاميركيين والاوروبيين، وطلبت تراجع الجيش السوري وفصائل المقاومة مسافة ٣٥ كيلومترا عن المواقع «الاسرائيلية» في الجولان، علما ان الاتفاقيات الموقعة بعد حرب تشرين ١٩٧٣ تقضي بعدم وجود الجيش السوري حتى مسافة ٥٥ كيلومترا، ورغم التراجع «الاسرائيلي»، فان سوريا رفضت كل العروض «الاسرائيلية» والاغراءات، وذهبت باتجاه تعزيز تحالفها مع محور المقاومة، وهذا السبب الأساسي لتصاعد الغارات «الاسرائيلية»، والرد السوري مسألة وقت فقط و»الاسرائيلي» يعرف ذلك، علما ان سوريا استخدمت لأول مرة صواريخ «اس ٣٠٠ « في التصدي للغارات «الاسرائيلية» الأخيرة، وفي هذا الاطار ذكر ان روسيا وجهت تحذيرا لـ «اسرائيل» بضرورة وقف الغارات على دمشق فورا.
اما في شمال سوريا، فان الاوضاع لا تقل خطورة عن التطورات في الجنوب السوري مع قرار اردوغان بتوسيع المنطقة التي يحتلها باتجاه تل رفعت ومنبج، بحجة طرد المقاتلين الاكراد رغم وجود عدة نقاط روسية في المنطقة، ويبدو ان الجيش السوري اتخذ قرارا بالتصدي للغزو التركي مهما كانت النتائج، كما دفع الجيش الروسي بتعزيزات الى المنطقة، فيما الاكراد المصدومون بتخلي الجيش الاميركي عنهم، طلبوا معونة دمشق مجددا، رغم ان سياساتهم في المناطق الموجودين فيها هي السبب في كل ما لحق بسكان المنطقة نتيجة الاحلام بالانفصالية والرهان على الدعم الاميركي، ويبدو ان اكثرية الفصائل الكردية سلمت اوراقها الى دمشق وتقاتل مع الجيش ضد الغزو التركي، علما ان مناورات مشتركة للطيران الروسي والسوري جرت في سماء المنطقة خلال الايام الماضية، وبالتالي فان الاسبوع المقبل سيكون حاسما بعد ان اعلن اردوغان جهوزية جيشه للعملية، ومن يضمن عدم تدحرج الامور الى حرب شاملة؟
وفي فلسطين المحتلة، فان المواجهات اليومية، فرضت معادلات جديدة لمصلحة الفلسطينيين عبر دعم ايراني مباشر حقق التوازنات لمصلحة الشعب الفلسطيني الذي بات يملك أسلحة نوعية يستخدمها بمهارة فائقة مع كل مواجهة يومية، و»اسرائيل» تعيش الآن مأزقا حقيقيا، وتدرك ان العمليات تنفذ في اراضي ١٩٤٨ مع الجيل الفلسطيني الشاب ودعم محور المقاومة، وهذا ما كشفه القيادي الفلسطيني محمد السنوار بأن عملية سيف القدس قادها ضباط من حماس وحزب الله وايران، وهذه التطورات ستفرض مسارا جديدا في المنطقة سيجعل من «اسرائيل» دولة عاجزة وغير قادرة على تأدية دور «كلب الحراسة « للمصالح الاميركية، وهذا ما ظهر مؤخرا عبر الدخول الاميركي المباشر في ملفات المنطقة.
هذه التطورات النوعية، تؤكد ان الصراع في المنطقة بين مشروعين لا يلتقيان مطلقا، والامور بينهما مفتوحة على كل الاحتمالات، وكل المؤشرات توحي بأن المنطقة متجهة الى الحماوة، مضافا اليها تداعيات الحرب الروسية – الاوكرانية وبوادر عودة الحرب الباردة المخيمة نفطاً وقمحاً ومساراً جديداً للبشرية… و»الله يستر».