كان يُنتظر أن يكون اجتماع لجنة الاعلام والاتصالات النيابية بمثابة جلسة تقصي حقائق واستجواب لوزير الاتصالات طلال حواط، في ضوء الانتقادات التي يتعرض لها، وهو الذي وعد أصلاً بعقد مؤتمر صحافي مفصّل يشرح فيه كل الملابسات التي تتعرض لها عملية التسليم والاستلام بين شركتي “زين” و”اوراسكم” من جهة، والدولة اللبنانية من جهة أخرى… إلا أنّ الاجتماع بدا “سوريالياً زيادة عن اللزوم”، انتهى بتأكيد رئيس اللجنة حسين الحاج الحسن أنّ اجراءات التسليم والتسلم تتمّ في قطاع الخلوي، وباقتناع النواب أنّ الوزير، الذي ينطق بالشيء وبنقيضه، يتخبّط في وزارته وفي ملفاته! على خلاف جلسات “التدقيق” التي كانت تجريها اللجنة النيابية مع وزراء الاتصالات السابقين، غاب “الأكشن” عن جلسة الأمس، مع أنّ القطاع يمرّ في واحد من أدق لحظاته، حيث يفترض أن تكون حيثيات انتقال الإدارة من القطاع الخاص إلى القطاع العام، أكثر شفافية وعلمية من باب التمهيد الجدّي والاصلاحي لوضع دفتر شروط جديد بمواصفات عالمية وشفافة.
دخل الوزير اللجنة كما خرج منها من دون أن يفصح عن تفاصيل خريطة طريقه للمرحلة المقبلة، وهذه بالنتيجة مفتاح نجاحه أو فشله في قيادة القطاع ونقله من ضفّة إلى أخرى. اكتفى بإيداع وعد بأنّ مجلسي إدارة المرحلة الموقتة سيبصران النور خلال الساعات المقبلة… وبالإشارة إلى أنّ مردود القطاع يشهد تراجعاً تجاوز الـ20% على أساس سعر صرف الدولار 1500!
تركزت النقاشات حول كيفية تشكيل مجلسي الادارة في ضوء مخاوف النواب من أن يصير المجلسان الموقتان، هيئتين دائمتين، اذا ما تراجعت شهية الشركات العالمية عن دخول السوق اللبناني. ولذا سأل بعضهم عن المعايير المعتمدة لاختيار الأعضاء خصوصاً بعدما تناهى الى مسامعهم أنّ معيار المحاصصة هو وحده الذي يفصل في التسمية.
عملياً، بدأ النقاش حول مجلسي الادارة منذ أكثر من عشرة أيام، وما الاستهداف السياسي الذي تعرض له حواط خلال الأيام القليلة الماضية، إلا واحد من تجليات التجاذب الحاصل بين أبناء الصفّ الواحد لتركيب مجلسي الادارة. ويبدو وفق المتابعين أنّ الصيغة الثلاثية التي كانت متداولة خلال الساعات الأخيرة (ثلاثة أعضاء لشركة “ألفا” أو “ميك1” وثلاثة أعضاء لشركة “تاتش” أو “ميك2”) قد لاقت حتفها نظراً للخلاف الذي كان حاصلاً حول الاسم السني (حياة يوسف)، فيما حسمت الحصة المسيحية لمصلحة “التيار الوطني الحر” وقد تكفلت حركة “أمل” بتسمية الاسم الشيعي.
ويتردد أنّ الصغية الجديدة المتداولة باتت خماسية بعدما جرى رفع عديد كل مجلس لتأمين التفاهم السياسي حولهما ومن باب الابقاء على اسم حياة يوسف وقد انضم اليها كاسم سني، رلى أبو ضاهر، حيث يقال إنّ مجلس ادارة “ألفا” سيكون مؤلفاً من 4 مسيحيين إلى جانب درزي بينما مجلس ادارة “تاتش” سيكون مؤلفاً من سنيين وشيعيين ومسيحي.
ولكن هذا لا يعفي أبداً الوزير من سيل الانتقادات التي تطاول سلوكه منذ تسميته وزيراً للاتصالات، وهو أبلغ بعض المعنيين أنّ الحملة التي تشنّ عليه مردها إلى الإجراءات التي اتخذها بخصوص عقود خدمات القيمة المضافة VAS والتي تعتبر أبواب هدر بمئات ملايين الدولارات على أساس عقود تنفيعات لجهات سياسية.
عملياً، يعود معظم هذه العقود إلى كل من أيمن جمعة، نجيب أبو حمزة، وهشام العيتاني، وسبق للوزير السابق محمد شقير أن أعلن في أيار 2019 عن زيادة حصة الدولة في بعض عقود خدمات القيمة المضافة VAS من 30% الى 50%. وقد تبين حديثاً أنّ نسبة حصة الدولة في واحد من هذه العقود وتحديداً خدمة EMERGENCY CREDIT، لا تزال 30%، ووفق العقد الموقّع مع الشركة مقدّمة الخدمة، ستتحول حصّة الدولة تلقائياً في العام 2021 إلى 70%، فيما بقية العقود لا تزال على حالها من المناصفة بين الدولة وشركات تقديم الخدمات، بلا أي تعديل فعلي في نسب توزيع الأرباح.
منذ استلامه الحقيبة، لم يثبت حواط أنّه يملك خريطة طريق تحديثية للقطاع، لا بل لم يعمل حتى على تشكيل فريق تقني يساعده في مهمته، فتراه يتخبّط على كافة المستويات. وها هي شركة “زين” على سبيل المثال، تواجهه بواقعة “غياب الآلية التنظيمية القانونية بين مجموعة “زين” ووزارة الاتصالات على ضوء صدور قرار مجلس الوزراء باسترداد إدارة القطاع في جلسته المنعقدة بتاريخ 5/5/2020″، وتذكّره بـ”عدم قانونية صرف أي أموال لغياب آلية صرف الأموال وفقاً لما تنص عليه المادة 36 من قانون الموازنة للعام 2020، وتذكّره بأنّ أياً من الشركتين لم تبلّغا “أي قرار في هذا الشأن من وزارة الاتصالات، وبالتالي إن إمكانية دفع الأموال غير متاحة لعدم وجود الغطاء القانوني لذلك”.
ما يعني أن الوزير الذي استمهل أكثر من شهرين من الوقت لاتخاذ قرار الاسترداد لكي لا يكون قفزة في المجهول، وقع في محظور الفراغ الاداري. ويؤكد المعنيون أنّ هذا الفراغ في الادارة والتوقيع المالي يدفعان الموظفين إلى نقل المازوت من محطة إلى أخرى لكي لا تتعطل المحطات الأكثر استخداماً، لأن غير هذا الحل الترقيعي سيعطل الشبكات الأساسية، مع العلم أنّ حواط أكد منذ أيام قليلة أنّ “عملية استرداد الدولة قطاع الخلوي تسلك المسار المتفق عليه وفق العقد بين وزارة الاتصالات وشركتي الخلوي، خطوة بخطوة.. والقطاع يُدار اليوم من قبل الدولة والشركتين وفق ما يُعرف بـCombination وهي فترة التسليم والتسلم”.