Site icon IMLebanon

مبنى «تاتش»: قرض مدعوم لم يحوّل إلى «الاتصالات»

 

عمدت شركة «تاتش»، في ردّها على «الأخبار» (عدد يوم 15 آب 2019)، إلى تحميل وزارة الاتصالات مسؤولية النتيجة التي آلت إليها صفقة شراء مبناها في وسط بيروت، ذاهبة إلى حد اتهامها باختيار ذلك المبنى تحديداً «بالرغم من أن أغلبية العروض المنافسة تُناسب حاجات الشركة»، وأنها (أي «تاتش») وقّعت عقدي الإيجار والشراء بناءً على تعليمات الوزارة.

قبل بيان «تاتش»، كان وزير الاتصالات محمد شقير قد أكد، في المؤتمر الصحافي الذي عقده في 9 آب («الأخبار»، 10 آب 2019)، أن قرار البيع «مُشترك بين الوزارة وتاتش»، لأن الوزير لا يقدر أن يُجبر أياً من الشركتين المشغّلتين على شيء»، فهما، بحسب القانون، مستقلة كلّ منهما بقرارها.

كلام الطرفين ليس بحاجة إلى الجهد لإثبات تناقضه. لكن مع ذلك، ثمة رابط واضح بين كل ما قيل، هو سعي كل طرف إلى رمي المسؤولية على الطرف الآخر، بما يعزز الشك في أمر الصفقة. علماً أن استنتاجاً كهذا سبق أن خلص إليه وزير الاتصالات نفسه، فهو الذي بادر، في أحد اجتماعات لجنة الاتصالات النيابية إلى المجاهرة بأنه سيسعى إلى تحويل عقد الإيجار إلى عقد شراء، بهدف الحد من الأضرار التي سببها عقد الإيجار. ولذلك تحديداً، لم يتوقف عن الاحتفال بنجاحه في مسعاه، لكن من دون أن يوضح للرأي العام حقيقة الإشكاليات التي رافقت عقد الإيجار. وهو بذلك، إنما جاء ليغطّي على فضيحة بفضيحة أكبر منها. بينما كان بإمكانه، وهذا أقصر الطرق، عرض مسألة الإيجار على النيابة العامة المالية، أو أي جهة رقابية أخرى، لتبيان مكامن الخلل والفساد، ومحاولة تصحيح الخطأ الكامن في العقد الذي كاد يكلّف الدولة مبالغ طائلة. لم يفعل شقير ما يُفترض أن يكون بديهياً. فمهمّته «السياسية» تقضي بتصحيح مسار الصفقات الذي كان قد اتبعه سلفه، لا كشف مضمون هذه الصفقات ومحاسبة المسؤولين عنها.

أما بالنسبة إلى «تاتش»، وما قالته محاميتها في الجلسة الأخيرة للجنة الاتصالات عن اعتراضها على بندين في العقد وإصرار الوزارة عليهما، فهو كلام لم يسجّل في المراسلات التي جرت بين الطرفين. فإدارة الشركة التي تملك القدرة على رفض قرار الوزير إن أرادت ذلك (وهذا ما أكده شقير نفسه)، جلّ ما فعلته هو لفت نظر الوزارة إلى البند الجزائي المرتبط باحتمال فض العقد (الصفحة 10 من الرسالة الموجهة منها إلى وزارة الاتصالات في الثاني من أيار 2018)، من دون أن تعترض عليه أو تطلب مناقشته حتى، بل ذهبت إلى الإشارة إلى أنها بانتظار توجيهات الوزارة لإنهاء مشروع نقل مكاتب الشركة. علماً أن عقد الإدارة الساري المفعول، والموقّع في 31 كانون الثاني 2012، يعطي الشركة صلاحيات واسعة لإدارة الشبكة، أما الوزارة فهي وزارة وصاية لا سلطة فعلية لها عليها إلا بحكم الأمر الواقع وبحكم رغبة الشركات في مسايرة الوزراء المتعاقبين تسهيلاً لأعمالهم.

لكن بما أن الشركة والوزارة توافقتا على استئجار المبنى، ومن ثم على شرائه من أموال الشركة قبل تحويلها إلى «الاتصالات»، فإن ذلك يطرح سؤالاً عن كيفية دفع تلك المبالغ الطائلة، ووفق أي سند قانوني؟ عقد الإدارة يتضمن بنوداً عديدة تحدد دور الشركة، أبرزها المواد: 2 و6 و7 و8، إضافة إلى مقدمة العقد. وهي كلها تشير إلى أنها معنية بإدارة وتشغيل الشبكة الثانية للهاتف الخلوي ولأصولها. أما بشأن العقارات، فيتطرق العقد إلى إمكانية استئجار المساحات التي تحتاجها من ضمن النفقات التشغيلية، لكنه لا يتضمن أي بند يسمح لها بزيادة الأصول العقارية. وبالتالي، إن مسألة شراء أي عقار، عملية خارج نطاق وظيفة الشركة، بحسب العقد، كذلك بحسب المقررات المتعاقبة لمجلس إدارة الشركة، وآخرها في 24 نيسان 2018، التي يجري فيها تكليف رئيس مجلس الإدارة والمدير العام بتمثيل المساهمين والتوقيع نيابة عنهم. هذا التكليف يشير إلى «شراء البضائع والسلع والمعدات والآلات اللازمة وبيعها لتسيير أعمال الشركة…» ولا يشير بأي شكل من الأشكال إلى إمكان شراء العقارات. ولهذا، فإن للمخالفة طبقتين: الأولى تتعلق بعدم وجود ما يبرر الصفقة في عقد الإدارة، والثانية تتصل بغياب أي تفويض من قبَل المساهمين. علماً أن هؤلاء لم يسمع صوتهم في خضم تلك الأزمة، بالرغم من أنهم المعنيون مباشرة بها. وعليه، فإذا أرادت الدولة اللبنانية – وزارة الاتصالات، شراء عقار، فعليها أن تشتريه من موازنتها، أو على الأقل من الأموال التي تحوّل لها من الشركة. وهذا يفرض آليات مختلفة لإنجاز عملية الشراء، أُولاها الحصول على موافقة مجلس الوزراء على الصفقة، مع ما يعنيه ذلك من إخضاعها لمستويات مختلفة من الرقابة.

 

«الاتصالات» و«تاتش» تسعيان إلى التبرؤ من «فضيحة المبنى»

 

كل ذلك لم يحصل، وذهب وزير الاتصالات إلى اختصار كل الدولة بشخصه، فأجرى المفاوضات لشراء المبنى ثم طلب من «تاتش» توقيع العقد. وبذلك، تكون شركة قد دفعت من أموال الشعب اللبناني 22.6 مليون دولار لصاحب المبنى ليتمكن من استكمال بناء المبنى (عند توقيع عقد الإيجار)، ثم دفعت 6.4 ملايين دولار بدل إيجار السنة الأولى للمبنى بعد تجهيزه، ثم دفعت 23.6 مليون دولار دفعةً أولى من ثمن المبنى (بعد تحويل عقد الإيجار إلى عقد شراء)، من دون حسم المبلغ الذي دُفع لاستكمال تجهيز المبنى ومن دون حسم المبلغ الباقي من إيجار السنة الأولى (راجع «الأخبار»، 14 آب 2019). ولأنها ستقسّط المبلغ الباقي من ثمن المبنى (45 مليون دولار) على ثلاث دفعات، ستدفع مبلغاً إضافياً بقيمة 5.1 ملايين دولار فوائدَ لصاحب المبنى. علماً أن الأخير سيستمر بالاستفادة، حتى بعد بيعه العقار، بقرض مدعوم من مصرف لبنان، بقيمة 22 مليون دولار وبفائدة واحد في المئة، على 14 سنة (مع سنتين فترة سماح). فقد سبق أن حصلت شركة «سيتي ديفلوبمنت»، على هذا المبلغ أثناء تشييد المبنى، بعد حصولها على شهادة البناء الأخضر من قبل شركة SEEDS المتخصصة بحلول البناء البيئي. قرض من هذا النوع يكون عادة بضمانة المبنى نفسه، وبالتالي هو يفترض أن ينتقل إلى المالك الجديد، بحيث يكمل تقسيط القرض للمصرف، ويدفع المبلغ الباقي لصاحب المبنى (لضمان استمرار الشاري في الحفاظ على مواصفات المبنى). فهذا النوع من القروض لا يُعطى لأفراد، بل يُربط بالمبنى نفسه، وبالتالي لا يمكن صاحب المبنى أن يستفيد من قرض بفائدة واحد في المئة ثم يبيعه بفائدة 10 في المئة. لكنّ هذا ما حصل بموافقة وزارة الاتصالات.