“الواسطة” تتمايل… على وقْع “أنغامي“
تُحرّم المبادئ العامة المعمول بها، والنصوص القانونية في جميع الوظائف العامة في لبنان والعالم، على من سيشغل منصباً إدارياً في مؤسسة خاضعة لرقابة الدولة، أو لديها شراكة مع الدولة لإدارة مرفق عام، ويقوم بتشغيله أشخاص من القانون الخاص، أن يمتلك حصصاً بأيّ شكل من الأشكال مع شركة تتعامل مع هذا المرفق، وتؤمّن له خدمات مقابل بدل مالي، أو حتى أن تكون هناك مصالح مشتركة بين هذه الشركة والمرفق العام.
بكل بساطة ووضوح، لا يُمكن لأي شخص يدير إحدى مصالح الدولة في أي قطاع حيويّ أن يشغل أي منصب آخر. لكن يبدو أن شركة “MIC2” (تاتش) قد أجرت استثناء لمديرها التجاري (ن.خ.) الذي يشغل في الوقت عينه منصباً لدى “MEVP”. وللإشارة، فإنّ” MEVP”صندوق استثماريّ بحوالى ربع مليار دولار، أما نطاق اهتمامه، فشركات قيد الانشاء في مجال التكنولوجيا والابتكار. تدعم “MEVP” هذه الشركات مقابل حصّة فيها، كما هي الحال مع “أنغامي”.
صحيح أنّ MEVP و”أنغامي” ربّما لا يقومان بأي عمل مشبوه ولكنّ المشكلة تتمثل في شخص (ن.خ.) “نون خاء”، أو (مدير المدراء)، الذي يشغل منصبين، خلافاً لما يُمليه العقد بين “تاتش” والدولة، ما يعني تضارب مصالح واضحاً وصريحاً.
رسالة الوزير
بتاريخ 4/نيسان/2019 وجّه الوزير السابق محمد شقير رسالة الى شركة MIC2 حول موضوع خدمات القيمة المضافة VAS، في قطاع الهاتف الخلوي. في الرسالة التي حملت الرقم 1785، تطلب الوزارة رسمياً من شركة “تاتش” الدخول في مفاوضات مع جميع مشغّلي الـ VAS وإجبارهم على تخفيض حصتهم الى أقل من 50%، بهدف زيادة حصة الدولة وربحيّتها بما أنّ الحصة الاكبر من أرباح هذه الخدمات كانت لصالح الشركات.
تعمل مع “تاتش” 8 شركات VAS وهي تضمّ حوالى 14 خدمة. في المفاوضات، وافقت غالبية الشركات على تقليص حصتها من الارباح لصالح الدولة اللبنانية في حين تعنّت البعض الآخر، ما دفع بـ”تاتش” الى الطلب من وزارة الاتصالات أن تفرض بنفسها هذا التخفيض.
…إلاّ “أنغامي”
وحدها “أنغامي” شذّت عن القاعدة ليبدو التقرير الذي شكل رسالة الرد دليلاً واضحاً على تضارب المصالح، فكيف للمدير التجاري لـ”تاتش” أن يفاوض عن “أنغامي” وهو يدير صندوقاً استثمارياً صاحب أكبر حصة فيه؟ وفي التفاصيل، كانت الـ VAS “انغامي” تتمتع بحصة 70%، وفي رد رسمي من شركة “تاتش”، أشار مديرها التجاري (ن. خ.)، الذي قاد المفاوضات مع شركات الـ VAS أن “أنغامي” لم تقبل إنزال حصتها من 70% الى 50%، وأن “اتش” توصي الدولة اللبنانية أن تبقي حصة “أنغامي” 70%. ذلك يعني أن “أنغامي” حظيت بنوع من “الواسطة”، حيث ورد في التقرير النهائي المرسل من MIC2 أن “أنغامي هي شركة ناشئة لبنانية وبالتالي فهي تحتاج إلى الدعم”.
فهل يعني ذلك أنّ (نون خاء) بحاجة الى دعم نفسه في شركة “أنغامي” التي تتخطى قيمتها السوقية الـ 200 مليون دولار؟ أوَلم يكن حريّاً به التنحي عن المفاوضات لتمثيله تضارباً واضحاً للمصالح دفعت ثمنه الخزينة العامة؟
فكيف قبلت Inmobiles على سبيل المثال والتي تملك خدمة Think Flop بخفض حصتها من الارباح من 60 الى 50%، والامر سيّان بالنسبة الى Liban Call التي تملكRBT، وNumbase التي تملك Games Club، ولم تقبل “أنغامي” المملوكة من MEVP ذلك؟ ولماذا تشدّدت “تاتش” في المفاوضات مع Mobi Jeux) (LOTO بعدما رفضت التخفيض، فوضعت “تاتش” توصياتها في هذا المجال معلنة أنه يمكن التوصل الى تحقيق النتيجة المرجوّة بمساعدة من وزارة الاتصالات، في حين أنها “تساهلت” مع “أنغامي”؟
تشير مصادر وزارة الاتصالات لـ”نداء الوطن” أن “تاتش” تدفع لـ”أنغامي” حوالى 110 آلاف دولار شهرياً، ولو أثمرت المفاوضات لانخفضت هذه القيمة الى نحو 70 ألفاً، ذلك يعني هدراً للمال العام. وذلك يعني أيضاً أنه كان يمكن لـ”MIC2″ ان تفرض شروطها في المفاوضات، لكن ما حصل في الواقع ضعّف قدرتها التفاوضيّة مستقبلاً من خلال الرسالة التي أرسلتها، والتي توصي فيها بإبقاء حصة “أنغامي” كما هي.
أطلقت انتفاضة 17 تشرين الشرارة الاولى للكشف عن الفساد ومرتكبيه. من هذا المنطلق، لا بدّ من التساؤل عن الذي سيتّخذ الاجراءات اللازمة في هذا الملف وغيره من ملفات الفساد المستفحلة في شركتي الخلوي.
كما تدور أحداث فيلم “Me, Myself & Irene” حول شارلي جندي، وهو ذو شخصيات متعددة، فتارة يكون شخصاً حميد الأخلاق لا يحب المواجهة مع أحد، وطوراً يتقمّص في شخصية المغرور والمجنون ليطغى حواره مع نفسه على وقائع الفيلم، كذلك هي حال المفاوضات التي حصلت بين “تاتش” و”أنغامي”. ليس المقصود هنا هدوء المفاوض أو عدمه، بل انما التقمّص في شخصية المدافع عن حقوق الدولة من خلال الشركة ظاهرياً، في حين أن الحقيقة مخالفة تماماً، وتصبّ في نهاية المطاف في خانة “أنغامي”.